إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2011-08-29

معا لرفع الأمّـيّة

معًا لرفع الأمّـيّة
  غصّت شوارعُنا ووسائلُ إعلامنا بلوحات إشهاريّة وتوعويّة لغتُها الدّارجة دون غيرها. «رافعُو لواء الأميّة الجدد» هم السّاسةُ أوّلا وأعضاءُ ما يُسمّى «الهيئة العليا لحماية أهداف الثّورة» ثانيا وما يُرْوَى أنّه «المجلسُ الوطنيّ التّأسيسيّ» ثالثا وما ينصّ القانونُ على أنّها وسائلُ الإعلام «العموميّ الوطنيّ» أخيرا لا آخرا...
  السّاسةُ المتنافسون على العرش المغري الّذي يُسيل اللّعاب، نادرا ما تردعهم الضّوابطُ الأخلاقيّة والثّقافيّة والإنسانيّة. الغايةُ عندهم، كما نعلم،  تبرّر الوسيلةَ. ولو كان القضاءُ على العربيّة الفصحى يعبّد لهم طريقَ النّصر لانْهالوا عليها بالفؤوس وأودعوها في الرّموس حيّةً نازفة دون أن يرفّ لهم جفنٌ. حتّى الّذين أدانوا سياسةَ التّجهيل والانبتات الّتي كرّسها النّظامُ السّابق تكريسا مقصودا مُـمنهَجا حاصِدا ثمارها مُكتوِيا بنارها، ها هم يسيرون اليومَ على خطاه ويرتكبون أشنعَ خطاياه. بخيار الأمّيّةِ هذا يحقّقون غاياتٍ أربعا على الأقلّ: يشترون صوتَ النّاخب الأميّ البسيط لأنّه الفريسةُ الأسهل، أوّلا. يُطمئنون القوى الغربيّةَ المتربّصة بثورةٍ ترميمُ الانتماء المتداعِي للسّقوط هو أوكدُ مهامّها، ثانيا. يغازلون الصّهيونيّةَ العالميّة الطّامحة دوما إلى قطع لساننا الجمعيّ، ثالثا. يكشفون خواءَ برامجهم الانتخابيّة وضحالةَ مستواهم الفكريّ والثّقافي، رابعا. والغايةُ الأخيرة هي نقطةُ الضّوء الوحيدة فيما يفعلون!
أمّا «حُماة أهداف الثّورة» فقد اختاروا الدّارجةَ للحثّ على التّسجيل لانتخابات المجلس التّأسيسيّ ولنشر قدرٍ من الثّقافة السّياسيّة والقانونيّة في نصوص فقيرةِ الأسلوب هزيلةِ الدّلالة سقيمةِ الإيحاء. هؤلاء لا عذر لهم البتّةَ. فالأميّ الّذي لا يُحسن القراءة والكتابة هو عمليّا في غِنًى عن اللّوحات التّوعويّة المكتوبة لأنّها لن تفيده في شيء. والمتعلّمُ الّذي درس الفصحى لن يحتاج نصّا مكتوبا بالدّارجة ليفهم مضمونَ الخطاب. إذن لِم الإصرارُ على ما لا يُحتاج إليه؟! لِم التّفاني حدَّ الهوَس في ترويج الجهل والميوعة والانبتات؟! ألأنّ هؤلاء وأولئك وجهان لعملة واحدة؟! أم لأنّ التّحالف مع «الوصيّ الخارجيّ» أوْلَـى من الولاء للهمّ الوطنيّ؟! لِم لم يفكّر «رافعُو لواء الأميّة الجدد» في الاستعانة بأهل الاختصاص ليصوغوا نصوصا عربيّة فصيحة تليق بشعب راهن على محو الأمّيّة منذ فجر الاستقلال وتشرّف باكورةَ «الرّبيع العربيّ»؟! أيكون جنونُ العظمة هو المانع بعد أن أضحى الثّائرون أضيعَ من الأيتام على مآدب اللّئام؟! أيدفعوننا دفعا إلى الأسى على فصاحةِ إمبراطور دولة الفساد والاستبداد «زين العابدين بن عليّ» والبكاءِ على «أطلاله وأطلالها» الشّاخصة كالبنيان المرصوص؟! إنْ كان الجواب بالإيجاب سأعتبرُ هذا «الانفلات اللّغويّ» أحدَ مشتقّات الانفلات الأمنيّ المبرمَج الّذي به يُساوَم التّونسيُّ على مُواطَنته وبه تُبتزّ منه ثورتُه.  

فوزيّة الشّـطّي
تونس: 2011.08.09



هناك تعليق واحد:

Faouzia Chatti فوزيّة الشّطّي يقول...

أُعيد نشرَ المقال الآن وقد صارت الكارثة اللّغويّة أفظع ممّا كانت عليه زمنَ الفورة "الثّوريّة"...