إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2011-08-19

قلبي على هذا البلد



قلبـي على هذا البلد

   مِن موقع المواطِنة البسيطة لكن المسؤولة عن مواطَنتها لبستُ الحداد لما تكبّدنا من خسائر بشريّة وماديّة في مدن تونسيّة كثيرة. الحرائقُ التي التهمت المؤسّسات العموميّة وأهدرت المال العامّ كوت قلبي حرقة وفرَقا مِن الآتي. انتحارُ الشّباب المختنق المأزوم نحر أملي في غد أقلّ ضبابيّة. دمُ الضّحايا الذي سُفك هنا وهناك نزف مِن شراييني أيضا. حالةُ الاحتقان الصّارخ العنيف والتّرقب الصّامت الكئيب رمت بي في متاهة "ما العمل؟".
1- أناشد كلَّ مسؤول لم ينهش الكرسيُّ لحم مواطَنته أن يوقف "حملة المناشدة" التي اجتاحت كلّ الفضاءات بما في ذلك المؤسّسات التّربويّة الممنوعُ قانونا تسييسُها. المناشدة التي يموّلها المالُ العامّ ويرتزق البعضُ مِن عميم خيرها تستغبي الجماهير الغاضبة وتصبّ الزّيت على النّار اللاّهبة أصلا. أناشد هؤلاء كي يتّقوا اللّهَ أو التّاريخ أو الضّمير الوطنيّ أو ما شاؤوا مِن السّلط الرّمزيّة، في هذا الوطن الصّغير الفقير.
2- أناشد مَن اقتسم "الإجّاصة النّاضجة" وانتشى بحلاوة طعمها واحتكر لبّها وشذاها أن يتركَ للشّعب الكريم فضلةَ الحلم بمرآها. قالبُ الحلوى الولود لا يُشبع الجائعين النّهِمين أيّامَ الخصب، فكيف بالسّنوات العجاف؟! إنّ الجوع، كما تعلمون، كافرٌ كفور. أمّا التّخمةُ فهي أكفر الكافرين.
3- أناشد المعارضةَ التي تُمنّي النّفس بالمعاد إلينا محمولةً على أكتاف المغول والتّتار مكلّلةَ الجبين بالقنابل الذّكيّة والعنقوديّة والجرثوميّة، أن تهبنا موتا رحيما قبل ترصيف جماجمنا سلّما للعرش. عرشُنا صبور على الوطء صبرَنا على الدّعْس والدّهْس. ليقرأ هؤلاء الدّرس العراقيّ جيّدا. عساهم يرتِقون نقائصه ويعقدون الصّفقة الأوفر ربحا.
4- أناشد حاسدِي "المعجزة التّونسيّة" أن يغضّوا عيونَـهم المالحة عنّا إلى أن تنقشع سحبُ شتائنا الصّائف. فإذا صفا الجوّ جاز لهم استئنافُ الحسد الذي كان ومازال مطيّةَ التّعب. لا يليق أن تصفعوا الجسد الجريح الطّريح.
5- أناشد "المثقّفَ" المستقيل مِن الشّأن العامّ أن يقطع صمتَه الرّهيب الجليل. فالعلماءُ أمناء اللّه على خلقه. والسّاكتُ على الحقّ شيطان أخرس. صحيح أنّ المفكّر الحرّ محاصَر مغضوب عليه محروم مِن التّواصل مع الرّأي العامّ الوطنيّ. وهذا خطأ فادح في حقّ كلّ الأطراف. والأصحّ أنّ أغلب "المثقّفين الموالين" قد خانوا الأمانة بمجرّد أن استبدّت بهم "سكرةُ السّلطان".
6- أناشد شرفاءَ السّلطة الرّابعة أن يفضحوا حجمَ الفساد الذي ينخر شتّى مؤسّساتنا: التّزوير سنّة مكرّسة، الرّشوة واجب مقدّس، التّلاعب بالقوانين حقّ طبيعيّ. كرامة المواطن مستباحة موظّفا وعاملا وعاطلا. أمّا الكفاءةُ المهنيّة الأخلاقيّة فهي ذنبٌ أو معرّة أو مهانة. لكلّ مسؤول بطانةٌ تلعق نعاله وتجني فتات فضلته وتدمّر خصومه بضربات وقائيّة تفوق "شرطيَّ العالم" قسوة وتشفّيا. المسؤول لا يُسأل عن تجاوزاته يسيرِها وخطيرِها لأنّه محسوب على "فلان". و"فلان" فوق القانون. فويلٌ لـمَن يتظلّم مِن هذا أو ذاك. حقِّقوا فيما يكابد الموظّف الشّريف النّظيف اليد لتعلموا كم يمسك الفاسدون بخيوط اللّعبة.
7- أناشد عقلاءَ بلادي أن يعتصموا جميعا بقيم الجمهوريّة وبعُلويّة الدّستور اعتصامَ المؤمن بحبل اللّه. الدّستور يحمي مَن هو في السّلطة بقدر ما يحمي مَن هو خارجها. وكلّما ضُيّق الخناقُ على المعارضة الشّرعيّة السّلميّة تنمّرت المعارضةُ الهمجيّة التي تأتي على الأخضر واليابس. بالتّضحيات الجسام تتقدّم الشّعوبُ خطوة مّا إلى الأمام. أمّا قفزة القهقرى فلن يكون بوسع أحد أن يحصي تبعاتها المأساويّة أو يقيس رجّاتها الارتداديّة.
إنّ التّخريبَ الحاصل إرهاب إجراميّ تدينه الشّرائع جميعها. لكنّه ليس حدثا معزولا: هو مِنّا و فينا. ظاهرةُ العنف اللّفظي وارتفاعُ معدّل الجريمة وتراكمُ المظالم المسكوت عنها عواملُ واقعيّة بشّرتْ بهذا العنف المكبوت القابل للانفجار في أيّ لحظة. وإن كانت أطراف أجنبيّة قد أجّرت هذه العصابات الملثّمة المتستّرة بجنح الظّلام فإنّنا مسؤولون عن توفير الأرضيّة المناسبة لنشأة العصابات أوّلا وعن ترك الثّغرات التي تسرّب منها الأجنبيُّ ثانيا. لا حلَّ في الأفق إلاّ أن نعترف لأنفسنا بحجم الكارثة الوطنيّة وأن نستوعب الدّرسَ القاسيَ قبل فوات الأوان.   

فوزيّـة الشّـطّي
تونس: 2011.01.13








هناك تعليق واحد:

Faouzia Chatti فوزيّة الشّطّي يقول...

كانت الأحداثُ أسرع ممّا توقّعنا جميعا. فحلّتْ اللّعنةُ سريعا على حكّام قرطاج من حيث لا يدرون.