إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2011-12-19

مقال: السّاحرةُ الشّرّيرةُ


² السّاحرةُ الشّرّيرةُ ²
[نُشِر في مجلّة 'الوطنُ العربيُّ'، العدد: 1190، بتاريخ: 1999.12.24]
اِغفِروا لي سذاجتِي عندما تعوزنِي اللّغةُ. فلا شيءَ يُجيرنِي إلاّ ذاكرةُ الطّفولةِ الجيّاشةُ بما استبطنتْ. إذ كلّما تأمّلتُ صورةَ وَثنِ العصْر «أمريكا» لَمْ أجدْ لها مُرادِفا في خيالِي إلاّ صورةَ «السّاحرةِ الشّرِّيرة» الّتي في جُحْرها ما انفكّتْ تنسُج أثوابَ الشّرِّ وتَحِيكُ حُللَ الدّمارِ دون أن تغُضَّ البصرَ عن مَرايا استماتتْ في تجميلِها لِترَى مِن نفسِها ما تُريد!
مِن رحِمِ الجريـمة انْسلَّ طيفُها طِفلا لقِيطا لفظَه التّاريخُ، وجفَّ ثديُ الحضارةِ ما بين شفتيْه، وأعلنَ الكونُ لِمرْآه الحِدادَ.
وفي رحِمِ الجريمة انتعشتْ: تَنهشُ الضّعيفَ لِضُعفه، تَتصيّدُ القويَّ لِنخْر عُودِه، تُقلِّم أظافرَ العابِثين بسُلطانها الحالِمين بسُلطانهم، تَدقُّ الأذرُعَ البانِيةَ حصُونَ الـمَجدِ العريق، تَنفضُ مِن ذاكرةِ الزّمن وقْعَ أقدامِ الحضارات الّتي كَـ «طائرِ الفِينيق» تَـمُدُّ الأعناقَ مِن رُكام حُطامِها، تَتسرّبُ ما بين الوريدِ والوريد، فتُقطِّع هذا وتـمتصُّ رحيقَ ذاك.
وعلى تُخومِ القلبِ الـمَهِيض تزرعُ مِن صميم العدَمِ وَرَما لقيطا في غير منبتِه. مِن لؤْمِ «الأمِّ الحاضنةِ» استعارَ ما به يُذيقُها جزاءَ «سنّمار» ويُذِيق نفسَه ما اعتاد مِن هَوانٍ.
وإلى رحِمِ الجريمةِ مَعادُها مُكبَّلةً بنسْجِ يديْها مُقطَّعةَ الأوْصال بشظايا مراياها، مكسورةَ العظمِ بسِياطِ أرواحِ ضحاياها، منهوشةَ اللّحمِ بأنياب «ربيبِها».
اِغفِروا لي مرّةً أخرى سذاجتِي وقد طوّحتْ بِي في عالَم الأحلام حيث «الْمُحالُ» يَمتدّ سهْلا يسِيرا كبِساط «السّندباد» وحيث تنْشُلُ شهرزادُ صباحاتِها مِن فمِ الهلاك بسُلطة التّخيِيل.
[الآنسة: فوز] = فوزيّـة الشّـطّي
تونس: 1999.11.22



ليست هناك تعليقات: