إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2012-03-07

الخصم والحكم

الخصْم والحكَم
يومَ 2012.03.05 أبدَى النّائبان عن الحكومة في برنامج «المنبر السّياسيّ» منَ التّعنّت والاستبداد والكِبْر ما يُثير القرفَ والفزعَ على السّواء ويُصيّر التّحاورَ معهما عبثا محْضا. لقد أكّدا أنّ سياسةَ «الكراسي الفارغة» الّتي انتهجها النّوّابُ المنسحِبون من جلسة محاسبة الحكومة كانتْ ضرورةً قُصوَى، وقد تظلّ كذلك إلى أجلٍ غيرِ مسمًّى.
سخِر «التّكتُّليُّ» من الخصميْن المستقوييْن بسلطة القانون المدوَّن لكن المداس كأنْ لم يكنْ. ومُتّشِحا بالعفاف السّياسيّ دعاهما إلى الارتقاء بخطابهما الّذي "انحطّ"، حسْبَه، إلى أسفل السّافلين. أمّا «النّهضويّةُ» فقد دفعتْها سكْرةُ السّلطان إلى مصادرة حقِّ المعارضة «الأقلّـيّةِ الرّافضةِ للشّرعيّة الانتخابيّة» في التّعبيرِ عن الرّأي المخالف بلْ في الرّدِّ على هجومها الشّرِس الّذي كنَّس آدابَ الحوار عامّةً وآدابَ اللّقاء الدّيموقراطيّ خاصّةً. اِرتكبتْ كلَّ عيب مُعيِّرةً خصميْها بما هو فيها لا فيهما، متبجِّحةً بأحقّيّة النّفوذ الّذي به تُقاطِع الجميعَ بمنْ فيهم مقدِّم البرنامج، مؤدّيةً دورَ الضّحيّة المطعونة في الظّهر المعذَّبة بعُقوق أخٍ قاصر جانح ناكرٍ المعروفَ. كلاهما حضَر بصفتِه الحزبيّة الحكوميّة تاركا الصّفةَ النّيابيّة في حيِّز الإمكان المتاخِم لحيّز الامتناع.
تماهَى الحزبُ والدّولةُ تماهيَ «الأغلبيّة» مع الوطن بما صَيّر «الشّرعيّةَ» مرادِفا اصطلاحيّا للدّيكتاتوريّة الّتي تَستبِيح القوانينَ والأعرافَ واضِعةً نفسَها خارجَ نطاق المشاورة والمساءلة والمحاسبة. «اِختارنا الشّعبُ الكريم ومنحنا ثقتَه الغالية»: هذا الشّعبُ المغدورُ في ثورته تقلّص عددُه من أحدَ عشرَ مليونا، منهم ثمانية ملايين ناخب صوّتَ نصفُهم تقريبا، إلى مليون ونصف هو عددُ ناخبـِي «النّهضة» الحقيقيّين أو الافتراضيّين. فلا وزنَ لمن لم يُصوّتْ لنا، ولا وجودَ لمن لم يُصوّتْ، ولا صوتَ لمن صوّت لنا ثمّ عضَّ أصابع النّدم حتّى أدْماها. ولا تنسى «حكومةُ كلِّ التّونسيّين»، أي  المليون ونصف دون سواهم، أنْ تغرِف من أرشيف «التّخوين» ما خفَّ حِملُه وعلا وقْعُه.
الحصّةُ التّلفزيّة عكَست الأداءَ السّياسيّ الرّسميّ الّذي أدْمن نفْيَ «حقِّ الاختلاف» متفنِّنا في توسيع بُؤر الخِلاف، جاعِلا المعارضةَ صِداميّةً عدَميّة مُستمِيتة في إثباتِ الوجود لا إثباتِ النّجاعة. وبقدر ما يُفلح التّحالفُ الحاكم في نفْي الشّريك المشاكِس الشّكّاء المتربِّص بالأخطاء يُسرِّع انهيارَنا الاقتصاديّ وانتحارَه السّياسيّ. وليس أدلّ على ذلك من ادّعاء «المؤامرة» السّاعية إلى إسقاط الحكومة بمساندة أجنبيّة مشبوهة! اِدّعاءٌ خلَط الدّهاءَ «التّجمُّعيّ» السّيّئَ الذّكْر بسذاجة المبتدِئين في الفعل السّياسيّ المتشوّقين إلى عرش قرطاج تشوُّقَ الغِرّ المتهافِت الرّاكبِ رأسَه.
في كلِّ مناسبة حواريّة يُثبتُ «الثّالوثُ المتغوِّل» للرّأي العامّ التّونسيّ أنْ لا صلةَ له بأهداف الثّورة، أنْ لا إيمانَ عنده بمشروعِ التّأسيس للدّيموقراطيّة، أنْ لا قدرةَ لديه على إصلاحِ ما بنفسِه المؤقّتة. تلك المؤقّتةُ رغم أنف الطّامحين إلى التّأبيدِ طُموحا يشرِّع كلَّ السّبُل بما فيها إرهابُ الدّولة، إرهابٌ يعنِّف المعارضين ويُرهب المبدعين ويهدِر دماءَ الإعلاميّين والجامعيّين والمحتجّين السّافرين.
فـوزيّة الشّـطّي
تونس: 2012.03.07

ليست هناك تعليقات: