إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2013-02-22

الانقلابُ النّهضويّ


الانقلابُ النّهضويّ
وزارةُ "الدّاخليّة" بالنّسبة إلى حزب "حركة النّهضة" مسألةُ حياة أو موت (بالمعنى السّلطويّ للحياة وللموت). بها تُخفي ما يثبت تورّطَها في اغتيال شهيد الوطن "شكري بالعيد"، وعبرَها ستُواصل الإشرافَ على ما تبقّى من مسلسل الاغتيالات السّياسيّة الّتي ستَطال المعارضين الشّرسين والمواطنين العاديّين على السّواء. فالأمنُ الموازي الّذي تمثّله الميليشيا الحزبيّةُ لما يُسمّى "روابط حماية الثّورة"، ينشطُ الآن سرّا في قاعة عمليّات هذه الوزارة الحيويّة. وقريبا سيخرج إلى الشّمس سافرَ الوجه مُصادِرا عقولَنا مُصوّبا رشّاشَه إلى صدورنا مُدمّرا تدريجيّا مكوّنات الأمن الجمهوريِّ العسيرةِ ولادتُه.
في الأثناء تُنكرُ "النّهضةُ" جميعَ هذي التّهَم نفيا جازما حاسما، وقد تُقاضِي في قادم الأسابيع المحتجّين على هذا المخطّط بتُهم القذْف أو الإخلال بالأمن العامّ أو الخيانة العظمى... وربّما "اختفى" الفاضِحُ إيّاها فجأة أو وُجِد مقتولا في بيته، أو تسمّم ببطء... ولا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعتْ. الإنكارُ سبيلٌ ناجِع للمناورة ولربح المزيد من الوقت سعيا إلى الْتهام مفاصل الدّولة وتفكيكها واستبدالها بنموذج المنظومة الوهّابيّة من "شرطة دينيّة" و"حرس ثوريّ" و"مُرشد أعلَى" يفوق "قداسةَ البابا" عِصمةً... المالُ والدّعمُ اللّوجستيّ والمساندةُ المخابرتيّة لن تعوزَ حكّامَنا "الشّرعيّين" أبدا كما لا يخفَى على أحد. فكرمُ عملاء الخليج، ومن ورائهم أباطرةُ الرّأسماليّة المتوحّشة أمريكيّةً وأروبيّة، لا حدّ له. ثمّ إنّ ثروات البلاد الطّبيعيّةَ والبنكيّة والمؤسّساتيّة معروضةٌ للبيع في أسواق النّخاسة الخليجيّة. تُوقّع الصّفقاتُ في الدّهاليز خِفيةً عن أنظار الرّأسمال الوطنيّ الّذي شرعَ "مُمثِّلُو الاحتلال الوهّابيّ" في تهجيره طوعا أو كَرها. وما انفكّ لسانُ حالهم يقول: "لن نُبقِيَ على هذه الأرض ما يَستحقّ الحياة". فإمّا طاعةُ القطيع، وإمّا الموتُ الزّؤام، وإمّا جحيمُ الشّتات...
ولنا الخيارُ.

فوزيّة الشّطّي
تونس: 2013.02.22

2013-02-11

شكري بالعيد: نبكيك كما بكتك السّماء



تونس في: 2013.02.09
شكري بالعيد: نَبكيكَ كما بكتْك السّماءُ
[نُشر في جريدة "صوت الشّعبعدد 87، 21 فيفري 2013]
الإهداء:
إلى رفيقي شكري بالعيد، شهيدِ الثّورةِ المغدورة والوطنِ المقطّع الأوصال والحلمِ الجمْعيّ المستباح...
وانهال الرّصاصُ هادئَ الأعصاب موزونَ الحركات دقيقَ الوِجهة. لم يكنْ غادِرا، كان «قصّةَ موتٍ معلَن»[1] لهَج بها القاصي والدّاني بلا حَرج. لم يكنْ موضوعَ اجتهاد، كان فتوَى جهادٍ مقدّس لا تردّها قوانينُ الأرض ولا شرائعُ الملكوت الأعلى. لم يكنْ مارِقا، كان شرعيّا حلالا باركَتْه جحافلُ "الشّيوخِ"، شيوخِ الاحتلالِ الوهّابيّ والفتنةِ المصنوعة صنعا في دهاليز العَمالة.
وانهمرتْ حشودُ "الصّفر فاصل" طوفانا بشريّا يقتحم الشّوارعَ يسدّ الأنهجَ يجتاح السّاحات. تضخّم الفاصلُ حتّى خِلناه إثنَيْ عشرَ مليونا أو يزيد. سيولٌ لا يحدّها بصرٌ من المواطنين الّذين اغتالتْهم الرّصاصاتُ عينُها اغتيالا رمزيّا مدوّيا. اِلتقينا جميعُنا نساء رجالا، أطفالا شبابا كهولا شيبا. اِمتزجتْ زغاريدُ العرس الدّامي بهتافات تُدين الإرهابَ الرّسميّ وعنفَ العصابات الحزبيّة. بكيناكَ كما بكتكَ السّماءُ، سماءٌ أشرقت شمسُها مُخاتِلةً وانهمر رذاذُها رفِيقا بنا حينا غضُوبا علينا أحيانا ونزلَ صقيعُها على صدورنا المشتعِلة نزولا رحِيما لكنْ ثقيلَ الكآبةِ.
شيّعنا شهيدا تونسيّا قلبا وقالبا «أَحَبّ البلادَ كما لا يُحبّ البلادَ أحد»[2]، شهيدا أقامَ في أعماق هذا الوطن بقدر ما أقام عشقُ الوطن في فؤاده حتّى أصاب منه مقتلا. شيّعنا شهيدا شاكسَ الطّغيانَ دون أن يرفّ له جفنٌ، التحمَ بقضايا المعدَمين المتروكِين على هامش الوجود الإنسانيّ، ظلّ وفيّا لجذوره الشّعبيّة وفاءَ الكبارِ لعهودهم. شيّعنا شهيدا كلمةُ الحقّ لا تَرجُفُ على لسانه ولا ترجِعُ القَهقرَى. ورُبّ قولٍ أشدُّ من صَوْلٍ.
نحن نساءَ تونس، شيّعنا جنازةَ الشّهيد، كبّرنا مِن أجله، دعوْنا له بالرّحمة والغفران، صلّينا عليه، واريْناه ترابَ أرضنا الطّيّبة. ومَن شرّع منْعَ النّساء من ارتياد الجنائز فليعلمْ أنّ الموتَ مؤنّث رغم أنفِ ذكورة اللّغة وليعلمْ أنّ الحزنَ يهوَى الإناثَ ويَعلقُ بأرواحهنّ المتمرّدة مُذْ كان الميزُ العنصريّ. جنازةٌ جعلت حناجرَ النّساء تُدوّي «لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه» في كلّ ربوع مقبرة "الجلاّز"[3] للمرّة الأولى في العهد الإسلاميّ من تاريخنا، جنازةٌ ساوتْ بين الجنسيْن في الحزن المقدّس، جنازةٌ تَنْشُد الحياةَ إذْ تُنْشِد الموتَ، هي أجملُ ما أشتهي لنفسي.
عشتُ يوما يعادِل ما فات من عمري وما بقي منه. عشتُ يوما «يقول: أماتَ الموتُ؟ أم ذُعر الذّعرُ؟»[4]. عشتُ يوما أَلزمَ مرتزقةَ الإجرام، عدا غيْضا من فيْضهم رَقص في الحرائق رقصةَ الدّيك الذّبيح، عَفَنَ جحورِهم وقتامتَها الأبديّةَ. عشتُ يوما يُحيِي اللّهيبَ من تحت أكوام الرّماد ويَنكأ جراحا مِن زمنِ "ماء النّار" لَمّا تلتئمْ. عشتُ يوما ثوريّا بامتياز وهَبنا إيّاه بطلٌ بحجم الوطن وشهيدٌ بحجم ثورةِ الشّغل والحرّيّة والكرامة الوطنيّة. ليتكَ تدري كمْ نحن مَمنُونون لك إذْ رَشَوْتَنا بدمك النّازف واشتريتَ حياتَنا بموتك الفاجِع وأفحمْتَ "الغُزاةَ" بصمتِك البليغ الْمَهِيب بعد أنْ كان صوتُك قد فضح ما تبقّى من خَفِيّ عوراتِهم وقبيحِ سوآتهم.
مُرعِبٌ أنتَ في لَحدِك، فالْتحِمْ بِـ «سيّدة الأرض» الّتي عليها ما يستحِقّ الحياةَ وما يستأهِلُ الموتَ. ستبكيكَ أجيالٌ، سترثيكَ اللّغاتُ، سيصرخُ الصّمتُ باسمكَ حتّى يرتعدَ الرّصاصُ من هوْلِ القِصاص.

فوزيّة الشّـطّي
بالتّوفيق لنا جميعا ضدّ الهجمة الوهّابيّة العميلة على بلدنا وثورتنا



[1]  عنوان إحدى أشهر روايات  الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز.
[2]   العبارة للشّاعر التّونسيّ محمّد الصّغيّر أولاد أحمد، وأصلها "أُحِبّ البلادَ كما لا يُحبّ البلادَ أحد".
[3]  تُسمّى أيضا "مقبرة الزّلاّج" نِسبة إلى الشّيخ أبي عبد اللّه محمّد بن عمر بن تاج الدّين الزّلاّج أصيل قرية فوشانة.
[4]  عدّلتُ عجُزَ بيت فخريّ لأبي الطّيّب المتنبّي هو: "تمرّستُ بالآفات حتّى تركتُها ... تقولُ أمات الموتُ أم ذُعِر الذّعرُ".
"لا تُصدّقُوا أنّ الأحلامَ بدونِ ثمنٍ. فبعضُ الأحلامِ ثمنُها العمرُ"

نظرةٌ ثاقبةٌ تَرى أكثر ممّا يَحقُّ لها..