إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2018-04-30

تحليل نصّ لمحمود درويش مِن: 'وردٌ أقلُّ'، مقاربة إيقاعيّة


[نُشر في مجلّة: 'الموقفُ الأدبيُّ العدد: 563، آذار/ مارس 2018]
http://www.awu.sy/PublicFiles/pdf/mawkif/mawkif563.pdf
تحليل نصّ: "رَأَيْتُ الوَدَاعَ الأَخِير ... وَدَاعًا لِـمَا سَوْفَ يَأْتِـي"
من المجموعة الشّعريّة: "وردٌ أقلّ": محمود درويش
مقاربةٌ إيقاعيّة
رَأَيْتُ الوَدَاعَ الأخِير
رَأَيْتُ الْوَدَاعَ الأَخِيرَ: سَأُودَعُ قَافِيَةً مِنْ خَشَبْ
سَأُرفَعُ فَوْقَ أَكُفِّ الرِّجَالِ، سَأُرْفَعُ فَوْقَ عُيُونِ النِّسَاءْ
سَأُرْزَمُ فِي عَلَمٍ، ثُـمَّ يُـحْفَظُ صَوْتِـيَ فِي عُلَبِ الْأَشْرِطَهْ
سَتُغْفَرُ كُلُّ خَطَايَايَ فِي سَاعَةٍ، ثُـمَّ يَشْتُمُنِـي الشُّعَرَاءْ.
سَيَذْكُرُ أَكْثَرُ مِنْ قَارِئٍ أَنَّنِـي كُنْتُ أَسْهَرُ فِي بَيْتِهِ كُلَّ لَيْلَهْ.
سَتَأْتِـي فَتَاةٌ وَتَزْعُمُ أنِّـي تَزَوَّجْتُهَا مُنْذُ عِشْرِينَ عَامًا.. وَأَكْثَرْ.
ستُرْوَى أَسَاطِيرُ عَنِّـي، وعَنْ صَدَفٍ كُنْتُ أجْـمَعُهُ مِنْ بِـحَارٍ بَعِيدَهْ.
سَتَبْحَثُ صَاحِبَتِـي عَنْ عَشِيقٍ جَدِيدٍ تُـخَبِّئُهُ فِي ثِيَابِ الْـحِدَادْ.
سَأُبْصِرُ خَطَّ الْـجَنَازَةِ، وَالـمَارَّةَ الْـمُتْعَبِينَ مِنَ الْانْتِظَارْ.
وَلَكِنَّنِـي لاَ أَرَى الْقَبْرَ بَعْدُ. أَلاَ قَبْرَ لِي بَعْدَ هَذَا التَّعَبْ؟
                         
وَدَاعًا لِـمَا سَوْفَ يَأْتِـي
وَدَاعًا لِـمَا سَوْفَ يَأْتِـي بِهِ الْوَقْتُ بَعْدَ قَلِيلٍ.. وَدَاعَا.
وَدَاعًا لِـمَا سَوْفَ تَأْتِـي بِهِ الْأَمْكِنَهْ..
تَشَابَهَ فِي الْلَّيْلِ لَيْلِي، وفِي الرَّمْلِ رَمْلِي، وَمَا عَادَ قَلْبِـي مَشَاعَا.
وَدَاعًا لِـمَنْ سَأَرَاهَا بِلاَدًا لِنَفْسِي، لِـمَنْ سَأَرَاهَا ضَيَاعَا.
سَأَعْرِفُ كَيْفَ سَأَحْلُمُ بَعْدَ قَلِيلٍ، وكَيْفَ سَأَحْلُمُ بَعْدَ سَنَهْ،
وَأَعْرِفُ مَا سَوْفَ يَـحْدُثُ فِي رَقْصَةِ السَّيْفِ وَالسَّوْسَنَهْ،
وَكَيْفَ سَيَخْلَعُ عَنِّـي الْقِنَاعُ الْقِنَاعَا.
أَأَسْرِقُ عُمْرِي لِأَحْيَا دَقَائِقَ أُخْرَى، دَقَائِقَ بَيْنَ السَّرَادِيبِ وَالْـمِئْذَنَهْ
لِأَشْهَدَ طَقْسَ الْقِيَامَةِ فِي حَفْلَةِ الْكَهَنَهْ،
لِأَعْرِفَ مَا كُنْتُ أَعْرِفُ؟ إِنِّـي رَأَيْتُ .. رَأَيْتُ الوَدَاعَا.
-             المقدّمة:
نتناول بالشّرح والتّحليل نصّا من الشّعر الحرّ للشّاعر الفلسطينيّ العربيّ العالميّ المعاصر "محمود درويش"(1). اُنتُخِب النّصُّ من المجموعة الشّعريّة «وَردٌ أقَلُّ» في طبعتها السّادسة [06] الصّادرةِ عن "دار العودة" ببيروت سنةَ ثلاثٍ وتسعين وتسعِ مئةٍ وألف [1993].
أمّا المجموعةُ «وردٌ أقلُّ» فاحتوتْ خمسين قصيدةً انفردَ كلٌّ منها بعنوان واستَقلّ طِباعيّا بصفحة، لكنْ أخذَ بعضُها برقاب بعض حتّى إنّنا نستطيعُ تحليلَها فُرادَى أو أزواجا أو جماعات. بل تتجلّى المجموعةُ بأسرِها كالقصيدةِ الواحدة المتآلفةِ الإيقاعِ الـمُتضامّةِ المعاني والإيحاءات. وأمّا نصُّنا فاخترناه زوجا مؤلَّفا من قصيدتيْن مستقلّتيْن طباعةً وعَنْونةً متعالِقتيْن إيقاعيّا ودلاليّا. وقد جاء كباقي نصوص المجموعة، على تفعيلة المتقاربِ البحرِ الموحَّدِ التّفعيلة "فَعُولُنْ" الّتي تفاوتَ توزيعُها على الأسطر الشّعريّة [من 5 تفعيلات كحدٍّ أدنى إلى 11 تفعيلة كحدٍّ أقصى في السّطر الواحد]. وتَنوّع الرّويُّ في القسمِ الأوّل بين [الباء، الهمزة، الطّاء، اللاّم، الرّاء، الدّال]، بينما اقتصر القسمُ الثّاني على [العين، النّون]. اِلتزامُ التّفعيلة وتنويعُ الرّويّ يضعُ النّصَّ في خانةِ الشّعر الحرّ الّذي يَصنع إيقاعَه الخارجيَّ والدّاخليَّ متفاعِلا مع الأوزان العروضيّة تفاعُلا مخصوصا لا خضوعَ فيه ولا قطيعةَ.
سُبِق نصُّنا بقصيدةِ «هُنَا تَنْتَهِي رِحْلَةُ الطَّيْر»، وفيها يُـماهِي الشّاعرُ بينه وبين الطّيرِ المهاجِر توقا إلى التّجدُّد. وتلتْه قصيدةُ «لِدِينِـي.. لِدِينِـي لِأَعْرِفَ»، وفيها يَنشدُ الشّاعرُ لنفسِه ولادةً جديدة وبَعثًا حقّا.
أمّا موضوعُ نصِّنا الواقعِ بين مطرقةِ الرّحيل وسندانِ البعث فهو: إعلانُ الشّاعرِ موتَه الآتـيَ تنبُّؤًا بحصولِه، فإقرارًا بتحقُّقه، فاستبشارا بالخلاصِ به.
وأمّا تقسيمُ النّصّ فقد اخترناهُ ثنائيّا معيارُه المعنى التّلازميّ: طلبٌ فاستجابةٌ. طَلبَ الشّاعرُ الموتَ، فلبَّـى الموتُ النّداءَ. على هذا الأساس نعتبرُ الأسطرَ العشرةَ الأولى الّتي عنوانُها «رَأَيْتُ الوَدَاعَ الأخِير» قسما أوَّلَ، فيه يَنشُدُ الشّاعرُ موتَه ساردا تفاصيلَه الممكنةَ. ويقبلُ هذا القسمُ تقسيما داخليّا ثنائيّا معيارُه تِيمةُ الموت:
- الفصلُ الأوّلُ: الأسطرُ التّسعةُ الأولى [من الأوّلِ 1 إلى التّاسعِ 9]: توصيفُ الموتِ الـمنشُودِ،
- الفصلُ الثّاني: السّطرُ العاشرُ [10]: انتكاسُ الحلمِ: أو الاحتجاجُ على بُطلانِ هذا الموتِ المنشود.
وتُـمثّلُ بقيّةُ النّصّ المعنْونةُ بـ «وَدَاعًا لِـمَا سَوْفَ يَأْتِـي» قسما رئيسًا ثانيا، فيه الخلاصُ مِن الحاضر ووداعُ الآتي. ويقبلُ بدوره قسمةً داخليّة ثلاثيّة، معيارُها تِيمةُ الوداع.
- الفصلُ الأوّل: الأسطرِ الأربعةِ الأُولى [من الحادِي عشرَ 11 إلى الرّابعَ عشرَ 14]: وَدَاعُ الشّاعرِ عالَمَه،
- الفصلُ الثّاني: الأسطرِ الثّلاثةِ التّالية [من الخامسَ عشرَ 15 إلى السّابعَ عشرَ 17]: بيانُ فضائلِ الموت،
- الفصلُ الثّالث: الأسطرِ الثّلاثةِ الأخيرة [من الثّامنَ عشرَ 18 إلى العشرين 20]: اليقينُ من حتميّةِ «الوداع».
-  تحليلُ النّصّ:
1-       القسمُ الأوّلُ: «رَأَيْتُ الوَدَاعَ الأخِير»: نِشْدانُ الموتِ:
أ‌-  الفصلُ الأوّلُ [س 1 إلى س 9]: توصيفُ الموتِ الـمنشُود:
صُدِّر هذا القسمُ بجملة خبريّة تقريريّة مثبتَة مجمَلةٌ لفظا ومعنًى، هي: «رَأَيْتُ الوَدَاعَ الأَخِيرَ»، سيتكفّلُ بتفصيلها كلُّ ما يتلوها. فعلُ الجملة (رَأيْتُ) مبنيّ للمعلوم، مُسنَدٌ إلى المتكلّم المفرد، صيغتُه الصّرفيّة هي الماضي الدّالُّ على انقضاء حدثِ الرّؤية في الزّمان الماضي. أمّا المتكلّمُ فهو الرّائي الفاعلُ في الحدثِ الشّعريّ بتمامِ البصر ونَفاذِ البصيرة معا. لكنّ الـمَرئيَّ يَشرع في تبديدِ صورة الفاعليّة هذه. إنّ «الوداعَ الأخيرَ»، وهو كنايةٌ عن الموت، يضعُ الرّائيَ في محلّ المفعوليّة حَدَثِيّا. تتأكّدُ المفارقةُ عند التّوغّلِ في النّصّ. إذْ تَتالى الأفعالُ مَبنيّةً للمجهول مقترنةً بحرف الاستقبال غالبا: (سأُودَعُ، سأُرْفَعُ، سَأُرْفَعُ، سأُرْزَمُ، يُـحْفَظُ، سَتُغْفَرُ)، كلُّها تَضع المتكلّمَ الشّاعرَ في محلِّ المفعوليّة السّلبيّة. وما إهمالُ الفاعلِ الأصليّ إلاّ لأنّ حقيقتَه لا تعنِـي "الـمَيْتَ" (طالبَ الموتِ) في شيء. نستثني من هذه الفواعلِ المجاهيلِ واحدا اسْتدعاهُ الشّعرُ قبل أنْ يستدعيَه الشّاعرُ: هو «الشّعراءُ» رفاقُ الصّنْعةِ الّذين سيهاجمون بسلاحِ اللّغةِ الهجّاءةِ مَن كان خصما مُهابا في حياته ومَن سيظلّ منافِسا عنيدا في موته. جاءتْ تسميةُ الفاعل الأصليّ (الشّعراء) تخصيصًا لمصدر «الشّتائِم» ونفيًا لصُدورها عمّنْ سواه.
ثمّ تَعودُ الأفعالُ مبنيّةً للمعلوم في أغلبها (سَيَذْكُرُ، سَتَأْتِـي، ستُرْوَى، سَتَبْحَثُ). لكنّ الفواعلَ الأصليّة المصرَّح بها تأتي مُعمَّاةً مبهمَة لا تخصيصَ لهويّاتها (أكْثرُ مِن قارِئ، فَتاةٌ، صاحِبَتِـي). هذا لكونِها هيِّنةَ الشّأن في حياةِ الشّاعر ضعيفةَ الأثر في موتِه المنشود. كأنّما وجودُها والعدمَ سواءٌ. تعودُ بعد ذلك صيغةُ المبنيّ للمعلوم مُسنَدةً إلى الشّاعرِ الّذي أعلنَ: «سَأُبْصِرُ خَطَّ الـجَنَازَةِ...» مذكِّرا بفاتحةِ نصّه: «رَأَيْتُ الوَدَاعَ الأَخِيرَ». فتأتي خاتمةُ الفصل الأوّلِ عوْدًا على بدْء. إذْ ترادفَت الجملتان من حيثُ الدّلالةُ على موتِ المتكلِّم، لكنْ تفاوتتْ نسبةُ اليقين: فما كانَ حدثا متحقِّقا في زمنٍ مضى أضحَى حدثا ممكِنا في زمنٍ سيأتي. بل ما كانَ مُتاحا للرّؤية البصريّة أو البَصِيرِيّة [نسبةً إلى البَصِيرة] أصبحَ رؤيا شعريّة. إنّ «الوداعَ» أو «الجنَازة» موضوعُ نُبوءةِ مَنْ يُوَدِّعُ دُنيا القصيدةِ ليُحْملَ في كَفَنِ المجاز.
هكذا تدرّجت الصّورةُ من الإجمال إلى التّفصيل ومن الغموضِ إلى البيان ومن الكثافة إلى التّفريع والتّشقيق. بالتّوازي مع ذلك تَدرَّج إيقاعُ المادّةِ الصّوتيّة وتَنوّعَ توزيعُ التّفعيلات على الأسطر الشّعريّة. فكانتْ سَبْعا في الأوّلِ [هو العددُ الأدنى]، بينما ساوتِ الأسطرُ الثّاني والثّالثُ والرّابعُ والتّاسعُ عددَ تفعيلات البيتِ العموديّ من بحر المتقارب [ثماني تفعيلات]، واحتوتِ الأسطرُ الخامسُ والسّادسُ والسّابعُ والثّامنُ تسعَ تفعيلات. لقد بدأ الخطابُ متّزِنا ومُـختزَلا كمّيّا وأقلَّ إجهادا صوتيّا لـمُنشِئ النّصّ ولقارئه على السّواء. ثمّ تسارعَ نفَسُ المتكلِّم. حتّى المقاطعُ تدرّجتْ هي بدورها من قلّةٍ نسبيّة إلى كثرةٍ تتجاوز مدَى وحدةِ التّنفّس العاديّة الّذي يكون عادةً سبعةَ عشرَ مقطعا. ثمّ خفّتْ قليلا دون أن تُعادلَ ما تقدرُ عليه وحدةُ التّنفّس تلك.
 ففي السّطر الأوّل نجد عشرين مقطعا [20]، واشتملَ كلُّ واحد من الأسطرِ الثّلاثة التّالية على ثلاثة وعشرين مقطعا [23]. ثمّ ارتقَى العددُ إلى سبعةٍ وعشرين مقطعا [27] في الأسطر الثّلاثة الموالية. ثمّ انخفضَ العددُ إلى ستّةٍ وعشرين مقطعا [26] في السّطر الثّامن. أمّا السّطرُ التّاسعُ فقد مثّل "انفراجا صوتيّا" نسبيّا، إذ اكتفى بثلاثة وعشرين مقطعا [23].
ربّما جاز لنا تعليلُ هذا الزّخَمِ الصّوتيّ بما يزخرُ به الجانبُ المضمونيّ من كثافة رمزيّة: فهذا القسمُ مَعْنـيٌّ بتفصيلِ الحدثِ الرّئيسِ «الوَدَاع الأخِير» وبسردِ الممكنِ من ردودِ أفعال الآخرين إزاءَه. إنّ الشّاعرَ "يَرَى" موتَه وجنازَتَه مثلما "يَرَى" وقْعَ هذيْن الحدثيْن الفاجعيْن على الآخرين متحسِّرين عليه كانُوا أو مُعترِفين بأثرِ قصائده فيهم أو منافسِين حاسِدين أو انتهازيّين منافقِين أو مُغَالِين في الخيال والابتداع أو خاضعِين للتّقاليد الطّقوسيّة الجماعيّة دون كبيرِ اقتناعٍ بها أو عظيمِ أسًى على "الفقيد". لذا جاءتِ الأسطرُ كثيفةَ التّفعيلات، وعكستِ المقاطعُ جهدَ الشّاعر في رؤية ما لم يتحقَّقْ بعدُ وفي إبصارِ ما ظلّ في حيّزِ الإمكان، حيّزِ المخيّلة الشّاعرة أو حيّزِ الفضاء الاجتماعيّ. ثمّ إنّنا وجدْنا الكلامَ في هذا القسمِ قد تدرّج أيضا من لينٍ نسبـيّ إلى صلابةٍ وشدّة فإلى اللّينِ من جديد. إذْ تَعادل عددَا المقاطعِ الطّويلة والقصيرة في السّطر الأوّل. وتفوّقتِ المقاطعُ الطّويلةُ في الأسطر الثّلاثة التّالية. بهذه العمليّة الإحصائيّة نُدركُ ما اتّسمَ به الكلامُ من سرعةِ بثٍّ تعكسُ انفعالَ الشّاعرِ بما يُنشئ. كأنّما الخطابُ الشّعريّ اللاّهثُ يلاحقُ تَفشّيَ الموتِ في جسدِ صاحبه. وللتّوزيع الصّوتيّ، كما لغيره من تقنيات القول الشّعريّ، القدرةُ على أن ينقلَ بعضَ ذاك الانفعال إلى متقبِّل القصيدة. فما أوحَى به معجمُ هذه الجملِ الفعليّة السّرديّةِ (تروي أحداثا) الوصفيّةِ (تصوّرُ مشاهدَ) مِنْ "حيادٍ" أظهرَ الشّاعرَ كما لو أنّه يرسمُ موتَ شخصٍ آخر لا يعنيه أمرُه، نفاهُ الإيقاعُ المتوتِّرُ الـمُجهِدُ الـمُجهَدُ المشدودُ الأنفاسِ. إنّه إيقاعٌ يُوشكُ أن يقولَ وجَعَ الاحتضار ويكادُ يُسْمِعُ حشرجةَ الـمَوْتِ الكرِيه.
في السّطرِ الخامسِ تتفوّقُ المقاطعُ الطّويلةُ بدرجاتٍ متفاوتة حتّى نهايةِ الفصل الأوّل. فطغتْ على الكلام مرونةٌ لها مع دلالاتِ هذه الأسطر وشائجُ وصلاتٌ. لقد سادَ نفَسٌ ساخرٌ سخريةً مُرّة من الذّاتِ- الضّحيّةِ ومن الآخرِ- القاتلِ [بالمعنى المجازيّ للقتْل] عن سبْقِ الإضْمار والتّرصّد: محكومٌ على هذا "الـمُودِّع" أن يموتَ مرّاتٍ أخرى كثيرةً كلّما حاول الانتهازيّون استثمارَ غيابِه العاجزِ كيْ يُحقِّقوا مكاسبَ ساذجة أو شهرةً زائفة.
بهذا المعنى سيكونُ وداعُ الشّاعرِ الحياةَ الدّنيا تفتيقًا لقرائحَ عقيمةٍ ودفنًا للشّهادةِ الحقِّ على كذِبِ الـمُدَّعِين. ولا يَـخْلُو هذا الفهمُ من الإقرار بنفَسِ فخريّ أتى تضمينا لا تصريحا: فـ «الشّعَراءُ» لا يَشتُمون مِن أمواتِ صنْعتِهم سوَى الـمُجيدِين، ولا تُروَى «الأسَاطِيرُ» إلاّ عمّنْ تجاوزَ المستوى العاديَّ المألوفَ من الإبداع الفنّـيّ، ولا «يُرفَعُ فَوْقَ عُيُونِ النِّسَاء» عدَا عزيزا على القلوب يَدرُّ فقْدُه دمعا غزيرا ويُورثُ حزنا مُقيما، ولن يتهافتَ «القرّاءُ» على ادّعاء الصّلة بشاعرٍ مّا إلاّ إذا كانت قصيدتُه لَهُمْ سَكَنًا حميما...  
لو تعسّفْنا قليلا على هذا النّصِّ الشّعريّ المعاصر مُخضِعين إيّاهُ لمقولة الأغراض التّراثيّة لَقُلنا: هو رثاءٌ للذّات خالطَه لطِيفُ الفخرِ وتَـخلّلَه بذِيءُ الهجاء. لكنْ لا انتحابَ هنا على النّفسِ ولا تعديدَ لخصالها ولا تهويلَ لفَقْدها. إنّما تَطلبُ ذاتُ الشّاعر الموتَ أكثرَ مـمّا يَطلبُها.     
ب‌-                   الفصلُ الثّاني [س 10]: اِنتِكاسُ الحلم: (أو الاحتجاجُ على بُطلانِ الموت المنشود):
جاءَ هذا الفصلُ الثّاني في سطرٍ يتيم. سَاوى عددُ تفعيلاته بيتا شعريّا من بحر المتقارب. سيطرتْ فيه المقاطعُ الطّويلة الّتي بلغتْ أربعةَ عشرَ مقطعا [14] مقابل تسعةِ [9] مقاطع قصيرة. أمّا أسلوبيّا فجاء استدراكا على كلّ ما سبقَ. لقد استعصَى نيلُ «قَبْرٍ» مُريح منشود. فما كانَ يُرى بالبصيرة كأنّه حقيقةٌ جليّة، تَعذّرَ على الـبصرِ إدراكُه رغم عَجَلةِ "طالبِ القبرِ" ونفاذِ صبره من الحياة. أُردِف هذا الاستدراكُ الغاضبُ الكئيبُ باستفهامٍ إنكاريّ بدا صرخةً تطالبُ بالعدالة في الموت على الأقلّ. أوَليس "إكرامُ الميّتِ دفنُه"؟! لا يستخبرُ الشّاعرُ، إنّما يحتجُّ على عدم تحقّقِ «الوَداع الأخِير» وعدم خروجِ «الجنازة» الّتي اكتَملتْ طقوسُها. في هذا الموضعِ من النّصّ يعترفُ المتكلّمُ بالدّافع الحقيقيّ وراءَ طِلابِه الموتَ. إنّه «التّعبُ»: تعبٌ من كلّ شيء، تعبٌ طال أمدُه، تعبٌ اسْتنفدَ القدرةَ على الحلم. كأنّنا بأبي العلاء المعرّي(2) "رهينِ الـمَحبسيْن" يُنشدُ من وراء ستار: «تَعَبٌ كُلُّهَا الحيَاةُ، فَمَا أعْجَبُ إِلاَّ مِنْ رَاغِبٍ فِي ازْدِيَادِ».
بهذا المعنى نفهمُ مرونةَ الإيقاع الصّوتيّ هنا. إنّها مرونةٌ تحاكِي تَعَبَ النّفسِ الشّاعرةِ وارتخاءَ قُواها ووَهَنَ إرادتِها. في الآنِ ذاته يُصوّرُ الأسلوبُ الإنشائيّ، بالتّوازي مع ذلك، حالةَ انفعالٍ يائسٍ مُحبَط يكادُ يشاكِلُ الاستجداءَ.
في هذه الأسطرِ الشّعريّة العَشرةِ جاء الرّويُّ متنوّعَ الحروفِ ساكنَ الحركةِ. فقد أحصيْنا تردُّدَ "الباء" مرّتيْن في أوّل الأسطر وفي آخرها، و"الهمزة" مرّتيْن متباعدتيْن، و"الهاء" ثلاثَ مرّات متباعدة(3)، و"الرّاء" مرّتين متباعدتيْن أيضا، و"الدّال" مرّةً يتيمة. يَعضدُ تنوّعَ الرّويّ حركةُ الحرفِ السّابق له، فقد تراوحَتْ بين الفتحة القصيرة مُؤلِّفةً مقطعا طويلا [حرف + فتحة قصيرة + حرف ساكن]، وبين الفتحةِ الطّويلة مكوِّنةً معها مقطعا متناهيَ الطّول [حرف + فتحة طويلة + حرف ساكن]. وهو مقطعٌ يُجهِدُ الجهازَ الصّوتيّ ويتعارضُ مع نزعة المجهود الأدنى عند المتكلّم سواء كان مُنشِئا النّصَّ أو قارِئا إيّاه.
رغم التزامِ الشّاعر بتفعيلة المتقارب (فَعُولُنْ) في كلّ النّصّ وفي المجموعة بأسرها، ألفيناهُ حريصا على تجاوُز إيقاع القالب العروضيّ الجاهز سلفا. فكان السّعيُ إلى تجنُّبِ الرّتابة الممِلّة والإشباع المنفِّر. بدا ذاك جليّا في قلّةِ التّرديد الصّوتيّ. فالكلماتُ المفاتيحُ لم تُقَلْ إلاّ مرّة وحيدة كما هو شأنُ «الوَدَاع» و«الجنازة» أو مرّتين كما حصل مع «القبْر». هذا لأنّ ترديدَ المعنَى بتفصيل المجمَل وسردِ المكوّنات الجزئيّة لما قِيل عامّا مختزَلا قد نابَ عن التّرديد اللّفظيّ. مع ذلك نلمحُ ترديدا لتراكيبَ متماثلة. فالأسطرُ التّسعة الأولى احتوتْ جُملا فعليّةً خضعتْ، في الأغلب، لأحدِ الشّكليْن النّحويّين التّالييْن: إمّا [فعل + فاعل + مفعول به] أو [فعل + نائب فاعل + مفعول به]. وهما بمثابة القالب النّظريّ الّذي فيه من المرونة ما يجعلُه يَتّخذُ في كلّ حينٍ صُورةً متجدّدة متميّزة بفضل ما يُوضعُ فيه من مكوِّنات لفظيّة متفاوتةِ البساطة أو التّركيب وما تُعقَدُ بين تلك المكوّنات من علائق نحويّة ومعنويّة شتّى. فجملةُ «سأُودَعُ/ قافيةً مِن خشبْ» اكتفتْ بالمركّبِ الفعليّ (الفعلُ مبنيّا للمجهول مُقترِنا بحرف الاستقبال) ونائبِ الفاعل (ضمير المتكلّم المفرد) والمفعولِ به (ورد مركّبا نعتيّا). أمّا جملةُ «سَتَبْحَثُ/ صَاحِبَتِي/ عَنْ عَشِيقٍ جَدِيدٍ تُـخَبِّئُهُ فِي ثِيابِ الحِدَادْ» فاشتملتْ مركّبا فعليّا (الفعلُ مبنيّا للمعلوم مُقترِنا بحرف الاستقبال) وفاعِلا (ورد مركّبا إضافيّا) ومفعولا به (وردَ مركّبَ جرٍّ).
على هذا الأساس نرى أنّ التّرديدَ التّركيبـيّ لم يصلْ بهذا القسمِ من النّصّ إلى تخومِ الرّتابة لأنّ الشّاعرَ عمل على تنويع التّراكيب الفرعيّة خاصّة في متمّمات الجمل. أمّا السّطرُ الأخيرُ الّذي اعتبرناه فصلا ثانيا، فكان "قفْلةً" متميّزة عمّا سبق لفظا وتركيبا وأسلوبا. وهو من حيثُ الدّلالةُ، نفيٌ لإثباتٍ سالِف واحتجاجٌ على بُطلان الرّؤيا. وما تماثُلُ رويّه مع رويّ السّطر الأوّل إلاّ تجسيدا، فيما نرى، للبنية الدّائريّة الّتي تَصِلُ نهايةَ القسمِ ببدايته وَصْلَ التّجاوُب والنّقْض في الآن نفسه. ذاك هو العَوْدُ على بَدْء. بيد أنّه، فيما نرى، عودٌ يائسٌ يبدو فيه "الميْتُ المفترَضُ" يدور في حلقةٍ مفرَغة مغلَقة لا يتسرّبُ إليها بصيصٌ من الأمل أو بعضٌ من الرّجاء. لذا تصاعدتْ حالةُ الحيرة والتّردّد والشّكّ حتّى انغلقَ القسمُ باستفهامٍ إنكاريّ غاضِب مُستاءٍ «ألاَ قَبْرَ لِي بَعْدَ هَذَا التّعَبْ؟!» رَبطَ الصّلةَ مع "الرّؤيا" السّابقةِ الخائبةِ بقدرِ ما عمدَ إلى تَـمتينِ الصّلاتِ مع ما سيَلي من "رؤيا بديلة" سعيا إلى برْدِ اليقين: إمّا يقينُ الحياةِ الحقِّ، وإمّا يقينُ الموتِ الوقُورِ الـمُريح.
 كأنّما الإيقاعُ الخارجيُّ (التّفعيلة) والدّاخليُّ (ترديد الأصوات، التّماثل التّركيبيّ) يستدعِي إيقاعَ الفكرةِ أو إيقاعَ المعنَى أو إيقاعَ الجوّ النّفسيّ القاتم رديفا ونصِيرا.   
2-       القسمُ الثّاني «وَدَاعًا لِـمَا سَوْفَ يَأْتِـي»: تحقُّقُ الموتِ:
مدارُ القسم الثّاني هو الإقرارُ بتحقّقِ الموت المنشود والاستبشارُ به بعد تَعَبِ الانتظار. وفيه نوّع الشّاعرُ أكثر توزيعَ تفعيلة "المتقارب" على أسطره الشّعريّة. فبان التّفاوتُ. إذْ وجدناها سبعا في الأسطر الحادي عشر [11] والسّادسَ عشرَ [16] والعشرين [20]. وكانتْ خمسا فحسبُ في السّطريْن الثّاني عشرَ [12] والسّابعَ عشرَ [17]. وكانت ثمانيةً في السّطريْن الثّالثَ عشرَ [13] والرّابعَ عشرَ [14]. وجاءت عشْرا في السّطر الثّامنَ عشرَ [18]. وهي تسعٌ في السّطر الخامس عشر [15]، وستٌّ في التّاسعَ عشرَ [19]. لكنّ هذا التّنويعَ في عدد التّفعيلات لم يرافقْه تنويعٌ في القوافي. إذ لا نرى إلاّ حرفيْن ثابتيْ الحركة: "العين" مفتوحةً فتحة طويلة (مشبعَة أو مخفّفة عن التّنوين) و"الهاء" ساكنةً (مخفَّفة عن التّاء)، راوح بينهما الشّاعرُ بانتظامٍ في الأغلب، وكسرَ النّمطيّةَ الإيقاعيّة أحيانا.
أمّا ترديدُ الكلمات المفاتيح فقد قوِيَ هنا.
أ‌-                       الفصلُ الأوّلُ [س 11 إلى س 14]: وداعُ الشّاعرِ عالَـمَه:
في هذه الأسطر الأربعة الأولى الّتي ترسمُ وداعَ الشّاعر ما حوله رُدِّدتْ كلمةُ «وَدَاعا» أربعَ مرّات محتلّةً في ثلاثٍ منها صدارةَ الجمل. لكنّ مُنشئ النّصّ أخلَى منها السّطرَ الثّالثَ عشرَ [13] جاعلا تراكيبَه مختلفةً عمّا سبق وما لحق. فكان المنطلقُ إثباتَ "التّشابه" زمانا وفضاء، وكان الختامُ نفيا لحالة "القلبِ الـمَشاعِ" النّابضِ بالحبّ لجميع الكائنات. لقد صار "ملكيّةً خاصّة" بمجرّد أن ودَّعَ الكونَ: «مَا عَادَ قَلْبِي مَشَاعَا». لم يَحتجِ الشّاعرُ إلى أن يُسمّيَ "الوداعَ" بلفظِه، إنّـما كَنّى عنه بإلغاء صفة "الـمَشاعِ" عن القلبِ الّذي يُقيمُ نبضُه الحدَّ بين البقاء والفناء. وكما تَشابهَ "ليلُ" عامّةِ الخلق، زمنُ القتامةِ والظّلُماتِ وانسدادِ الآفاق مع "ليلِ" المتكلِّم، زمنِ انفلات القريحة أو انتحارِها يأسا وجفافا، وكما تشابهَ "الرّملُ"، حبّاتُ الوطنِ المصادَرِ مِن التّاريخ وذرّاتُ الأرضِ المنفلتةِ من بين أصابع بَنِيها الّتي ارتعِشتْ وتهافَتتْ مع "رَمْلِ" الذّاتِ الشّاعرة، رملِ اللّحْد الّذي سيلتهمُ وديعتَه شيئا فشيئا، كذلك تشابهتِ التّراكيبُ والأصواتُ بما أضفَى على الإيقاع الدّاخليّ رتابةً كئيبة. فجاءتْ موسيقَى الكلام باهتةً ساكنةً سكونَ الرّمال المتحرِّكة الّتي تبتلع فرائسَها في قسوةٍ صامتة وعنادٍ كاسِح... وكان الإيقاعُ خادما لهذا المعنى ومبرِزا إيّاه بكثرة المقاطع الطّويلة الرّتيبة...
مِن وداع الزّمان والمكان الحقيقيّيْن اللّذيْن ارتهن بهما وجودُ الذّاتِ الشّاعرة يَخلصُ درويش إلى وداع «بلادٍ» مفترَضة لَـمَّا تتجسّدْ كينونتُها في زمانٍ معيَّن ولا مكانٍ مّا. ربّما تكونُ هي القصيدةَ. لكنْ نابتْ عنها الأرضُ الخصِيبة الـمُغِلَّة «ضِيَاعَا» في صيغة الجمع تأكيدا لغزارة الخير الّذي تُنتجُ. وحضرَ مرّتيْن حرفُ التّسويف «سَوْفَ» الدّالُّ على اليقينِ من وقوع حدثِ "الإتْيَان" في المستقبل البعيد متعارِضا من حيثُ الدّلالةُ الزّمانيّة مع المفعول فيه للزّمان الوارد في الجملة نفسِها: «بَعْدَ قَلِيلٍ». هل تعطّلَ الإحساسُ بالزّمن الجماعيّ الحقيقيّ حتّى تماهَى البعيدُ مع القريب؟! أيكون "القليلُ من الوقتِ" هذا أبعدَ مَنالا مِـمّا يَحسَبُ "الـمُودِّعُ"؟! أم هو الزّمنُ النّفسيّ الّذي يجعل الانتظارَ ثقيلا بطيئا كأنّه الدّهرُ؟! وكيف يُودَّعُ ما استعصى وجودُه؟!
حرصَ التّرديدُ في هذا السّياق على تأكيد معنى الانعتاق من قيديْ الزّمان والمكان، وهما الشّرطان اللاّزمان لتحقّقِ الوجود... نلاحظُ في الفصل الأوّل لينا ومرونة بفضل سيطرةِ المقاطع القصيرة سيطرة عدديّةً لافتة. فلا تشنُّجَ في هذه الأسطر الشّعريّة، ولا صلابةَ، ولا انفعالَ. إنّما هو سكونُ النّفس الّتي تستقبل موتا جميلا أحبّتْه وطمِحتْ إليه وجاهدتْ لنيْله. هو موتٌ يُتِيح من "الملذّات" ما لم تسمحْ به الحياةُ الكائنة. وهذا ما تكفّل الفصلُ الآتي ببيانه.
ب‌-                 الفصلُ الثّاني [س 15 إلى س 17]: بيانُ فضائلِ الموت:
تَدرّج هذا الفصلُ تدرُّجا تنازُليّا في عددِ التّفعيلات من الكثرة إلى القلّة: مِن تسعٍ إلى سبع إلى خمس. وعمَّ التّرديدُ اللّفظيّ والتّماثلُ التّركيبـيّ. إذ تكرّرَ اسمُ الاستفهام «كَيْفَ» ثلاثَ مرّات في صيغة خبريّة لا إنشائيّة لأنّه ورد عنصرا من المتمّم (مفعول به) دالاّ على كيفيّة وقوع حدثَيْ: "الحُلْمِ" قريبِه وبعيدِه و"خَلْعِ" الأقنعة الذّاتيّة. مُنشئُ النّصّ لا يستخبرُ، إنّما يُخبرُ بكونِه على يقين من أنّه "سَيعْرِفُ" كلّ ذلك بعد أنْ تَحقّقَ له «الوَدَاعُ الأخِير». تضمّن كلُّ سطرٍ حدثا فصَّلتْه الأفعالُ [سَأعْرِفُ، سَأحْلُمُ، أعْرِفُ، يَحْدُثُ، سَيَخْلَعُ]: أمّا الحدثُ الأوّلُ فهو الحلْمُ سبيلا إلى العلمِ والمعرفة والإدراك أو طريقَ خلاصٍ من الغُبن. وأمّا الثّاني فهو خوضُ تجربةِ الموت الدّامي «فِي رَقْصَةِ السَّيْفِ وَالسَّوْسَنَهْ» صراعا مع الذّاتِ "الخصْمِ والحكَمِ" أو صراعا مع عدوّ جلاّد أعمَى الضّمير. وأمّا الثّالثُ فهو التّطهُّرُ من الأقنعةِ المتراكمِ بعضُها على بعض تراكُما يبدُو لامتناهِيا. جاء التّرديدُ الـمُعلَن في هذا السّطر لعبارة "القناع" الّتي حلّتْ فاعِلا خالِعا غيرَه ثمّ مفعولا به مخلوعا من قِبل مَثِيله. وظلّ التّرديدُ ضمنيّا يَشِي باستمرار "الخَلْع" حتّى انكشافِ الحقيقة أو حتّى اليقينِ من استحالة انكشافها. فما القناعُ الفاعلُ؟ أهو قناعُ الحلمِ الفالتِ من كلّ قانون؟ أم هو قناعُ الموتِ الـمُطهِّرِ للرّوح؟ وما القناعُ المفعولُ به؟ أيكون قناعَ اليقظةِ المعذِّبة أم قناعَ الكينونةِ العبثيّة؟ أم هما معا من قبيل الأقنعةِ الشّاعرةِ الّتي يزيحُ بعضُها بعضا توقا إلى التّجدّد وإغناءً للقريحة وإنشاءً لِـمَا لَـمّا يُقلْ، خاصّة وقد نُسِبَ "خلعُ الأقنعة" إلى صاحب النّصّ؟
كأنّما غموضُ المعاني في هذا الفصل الثّاني يحاكِي غموضَ القبر. إذ لم يَعُدْ من عالم الغياب هذا كائنٌ، فيحدّثَنا عمّا رأى وعاش في ذاك المحلِّ المبهَم الـمُشرَع على شتّى التّأويلات.  
في هذه الصّور المتتابِعة نَفَسٌ صوفـيٌّ يجعل الخيالَ الحالِـمَ مُمسِكا بالحقيقةِ اليقينِ، والشّطحَ إفْناءً يُجدّدُ الرّوحَ اليبابَ، والانفضاحَ أمام مرآة الذّات تطهّرا واغتسالا. أتُرى الشّاعرَ يحلمُ حتّى يموتَ؟ أتُراه يموتُ كيْ يتجلَّى؟
ت‌-                 الفصلُ الثّالثُ [س 18 إلى س 20]: اليقينُ من حتميّةِ الوداع:
تشغلُ "حتميّةُ الرّحيل" الأسطرَ الثّلاثةَ الأخيرة من النّصّ. وكان السّطرُ الثّامنَ عشرَ الأطولَ كمّيّا في النّصّ كلّه، إذ اشتملَ عشرةَ تفعيلات. نحويّا اِنقسمَ هذا الفصلُ جملتيْن: أُولاهما جملةٌ شديدةُ التّركيب تواصلتْ حتّى منتصفِ السّطر العشرين، اشتملتْ: حرفَ استفهام ونواةً إسناديّة فعليّة ومفعولا به ومفعولا لأجله منْ ثلاثة معطوفات في كلٍّ منها نواةٌ إسناديّة فرعيّة. وأمّا بلاغيّا فجاءتْ إنشاءً طلبيّا من قبيل الاستفهام الإنكاريّ الّذي يتعجّبُ ويَستنكرُ ويُفنِّدُ. وكانتْ الجملةُ الاسميّةُ الأخيرةُ قصيرةً كمّيّا مركَّبة نحويّا. وهي بلاغيّا من الخبر الإنكاريّ لاحتوائها أداتيْ توكيد: النّاسخ الحرفيّ (إنّ) والتّوكيد اللّفظيّ (رَأيْتُ) (4).
حَضر المعجمُ الدّينيّ، الإسلاميّ والمسيحيّ، بكثافةٍ نسبيّة [الـمِئْذَنَهْ، طَقْسَ، القِيَامَةِ، الكَهَنَهْ]. وتمثّلتْ وظيفةُ المفعول لأجله في تعليل الرّفضِ: رفْضِ الشّاعر أنْ "يَسرقَ عمرَه المجازيّ" لِيُطيلَ عمرَه الحقيقيّ. لكنْ ما معنى أن يُسرق العمرُ في هذا السّياقِ الشّعريّ الـمُودِّعِ لِما كانَ [رَأيْتُ الوَدَاعَ الأخِيرَ] ولِما سيأتي [وَدَاعًا لِمَا سَوْفَ يَأْتِي]؟ وكيفَ تكون الحياةُ لِـ «دقائقَ أُخْرَى» سرقةً للعمرِ بأكملِه؟ أفي ذلك مقابلةٌ ضدّيّة بين حياةٍ هي العدمُ وبين موتٍ كأنّه الحياةُ؟
في الاستفهامِ الإنكاريّ الحجاجيّ هذا إقرارٌ بعبثيّةِ الوجود وبلاجدوَى البقاءِ، ولو لدقائق معدودات، مُـمزَّقا بين «سَرَادِيب» الأديِرةِ الخفِيضة الوضِيعة القاتمة وبين «الـمِئْذَنهْ» الذّاهبةِ في السّماء المنقطعةِ عن اليوميّ. يَتّخذُ الوجودُ المنبوذُ خاتمةً أشبهَ ما يكون بالمهزلة، إنّها «القيامةُ» الزّائفة الّتي احْتَرفَ الكهنةُ صُنعَها. والأصلُ أنْ لا قيامةَ حقيقيّةً لوجودٍ عاطل، أو لكينونةٍ باطلة. على هذا الأساسِ كان رفْضُ الشّهادةِ على «طَقْس القِيَامَةِ فِي حَفْلَةِ الكَهَنَهْ». أمّا "الطُّقُوسُ" فأنظمةٌ مُستعادة رتيبة فَقدتْ كلَّ جِدّة أو معنى. وأمّا «حَفْلةُ الكَهَنَة» فلا أصالةَ فيها ولا صدقَ عاطفةٍ ولا خلاصَ نيّةٍ. إنّها مَأتَـمِيّةُ [نسبةً إلى "مَأْتَم"] الأجواءِ تحتفِي بالموت والفناء احتفاءَ الامْتِهان (بالمعنييْن: "المهْنَة" و"المهَانَة").
ولأنّ المعرفةَ هاجسُ الشّاعر، ولأنّها لن تُحقّقَ في الوجودِ السّالفِ الصّفات غِنًى أو إشباعا، كانَ "الوداعُ" اليقينَ الوحيدَ الّذي يضمنُ الخلاصَ من الفراغِ العابث. وحلَّ التّرديدُ لفعل «رَأَيْتُ» توكيدا للرّؤيةِ البصريّة والقلْبيّة في الآن نفسِه. فاتّصل ختامُ النّصّ بأوّلِه: صار ترديدا له لفظا ومعنًى مع تنويعٍ دقيق: فجملةُ النّصّ الأولى: «رأيتُ الوداعَ الأخيرَ» تصرّحُ بتحقّقِ رؤيةٍ موضوعُها "الوَداع" المنعوتُ حصْرا بِـ "الأخِير" كنايةً عن الغياب أو العدم أو الموت. أمّا جملةُ الختام: «إِنِّي رَأَيْتُ.. رَأَيْتُ الوَدَاعَا» فتؤكّدُ تحقُّقَ الرّؤيا الّتي موضوعُها وداعٌ مديدُ الإيقاعِ مطلَقُ الدّلالةِ منفتحٌ على شتّى التّأويلات. وربّما جاز اعتبارُه تطليقا لوجودٍ ذميمٍ أفْقدَ البشرَ إنسانيّتَهم، أو هو قطيعةٌ مع القريحة العقيمِ الّتي تعيدُ إنتاجَ ما كان وتأتي جمهورَها من حيثُ ينتظرُ، أو هو توديعُ وطنٍ ينفلتُ من بين أيدي أبنائه ليضيعَ في زحام المظالم والمآسي...
ما يُرجّحُ نموَّ النّصّ من شحنة سلبيّة قاتمة إلى شحنة إيجابيّة متفائلة، رغمَ بنائه الدّائريّ المنغلق، عناصرُ داخل النّصّ وأخرى خارجَه. أمّا الأُولى فهي تنامِي النّزعة الغنائيّة في القسم الرّئيسيّ الثّاني بفضل تقلّصِ المقاطع القصيرة وميلِ الحرف الأخير من كلّ سطر إلى الانفتاح بحركة مديدة. ومع أنّ السّكونَ والحركةَ الطّويلة قد اقتسما الأسطرَ مناصفةً فإنّ انفتاحَ الحركة وامتدادَها هو ممّا غابَ تماما في القسم الأوّل كلّه. لذا يَلفتُ الانتباهَ حضورُه النّسبيّ هنا. تنامتْ الغنائيّةُ أيضا بكثرة التّرديد (كما كنّا فصّلنا القولَ فيه).
هكذا يكون إيقاعُ القسم الثّاني أقوَى من إيقاعِ الأوّل وأثرَى تنويعا. ولهذا علاقةٌ بالدّلالة: فإيقاعُ القسم الأوّل مِنْ إيقاعِ الموت واليأس وسكون الحركة الماديّة كما النّفسيّة. أمّا إيقاعُ القسم الثّاني فإيقاعُ بعثٍ جديد أو «قِيامَة» حقٍّ لا ينقطعُ رجاؤُها. وإنْ لم تُصرّح الكلماتُ بهذا الرّجاء فلأنّ الإيقاعَ قد أوحَى به وشكّله تشكيلا صوتيّا موسيقيّا يُستنطَق ولا يَنطِقُ. أمّا العناصرُ الخارجيّة الدّالّةُ على الشّحنة الإيجابيّة فنراها في النّصّ التّالي مباشرة الّذي حمل عنوانَ: «لِدِينِـي... لِدِينِـي لأعْرِفَ». فيه تُصرِّحُ صيغةُ الأمر بطلبِ الانبعاث من حطامِ «الوداعِ الأخير» أو من بقايا «طقْسِ القيامة» كما تنبعثُ العنقاءُ من رمادها. بيدَ أنّه انبعاثٌ راسِخُ القَدَم في أرضٍ مّا، مشدودٌ إلى طفولةٍ صُلبةِ الأحلام فُولاذيّةِ المخيّلة.
-             الخاتمة:
في ختام هذه القراءة نُقرُّ بأنّ النّصَّ منفتِحٌ على أجواره عميقُ الصّلة بها حتّى إنّه كان بالإمكان تحويرُ حدودِه أو توسيعُ مساحته. فما هو إلاّ قطعةٌ من النّصِّ الأمِّ أي المجموعة الشّعريّة بأسرها. وكلُّ "نُصيْصٍ" يجسّد، بنائيّا وإيقاعيّا ودلاليّا، وردةً مفردة صُغرى من باقة «وردٌ أقلُّ»(5) أوْ فصْلا من ملحمةِ الكينونة الشّعريّة الّتي تغازلُ "الموتَ" وتتحدّاه بقدرِ ما يأسرُها "البعثُ" ويستفزُّ قُواها الكامنة. وكيْ لا تتنافر التّشكيلةُ الكبرى، تشابهتِ "الورودُ المفردةُ" موضوعا وبنية وإيقاعا خارجيّا (تفعيلة المتقارب). لكنّها تمايزتْ من حيثُ المعاني الجزئيّةُ والأساليبُ اللّغويّة والبلاغيّة والجوُّ النّفسيُّ والإيقاعُ الدّاخليّ حتّى لا تخرجَ الباقةُ رتيبةً يُكرّر بعضُها بعضا تَكرارا مُـملاّ عقيما. إنّ باقةَ القصائد هذه، وإنْ "قلّتْ ورودُ صائغِها"، مُتقَنةُ التّنسيقِ كَثيفةُ الدّلالة عظيمةُ الإيمان بفِعْلِ الكتابة: ضدّ الدّمار الهائل، ضدّ جبابرة الاضطهاد، ضدّ عبثيّة الوجود، ضدّ الغياب.  
-             الهوامش:
1- محمود سليم حسين درويش: [البِروَة: 13 مارس 1941- الولايات المتّحدة الأمريكيّة: 9 أوت 2008]: شاعرٌ فلسطينيّ معاصر، يُعَدّ من أبرز شعراء "القضيّة الفلسطينيّة" الّتي خصّها بغزير الإنتاج شعرا ونثرا... في الثّمانينات سعى إلى التّحرّر من الالتزام السّياسيّ الصّريح بالمآسي الوطنيّة والقوميّة ليعانقَ الكونيَّ مُستدعِيا "الآخرَ" أيّا يَكُنْ، مُؤنْسِنا "فلَسْطِينَه"، مُأسْطِرا محنةَ الشّتات، متّخِذا الشّعرَ غايةً بل كينونةً. دَأبَ على الإيقاع التّفعيليّ، فلمْ يكتبْ قصيدةَ النّثر إطلاقا. اِرتحلتْ به القصيدةُ، في مساره الشّعريّ المديد، من حماسةِ المقاتِل الفتيّ إلى حيرةِ المتأمّل المتفلسِف إلى الصّراع الحميميّ مع الغياب. كان أوّلَ دواوينه "عَصافيرُ بلا أجنِحَة" (1960). من أشهرِ مجموعاته الشّعريّة: "أوراقُ الزّيتون" (1964)، "عاشِقُ مِن فلَسْطين" (1966)، "العصافيرُ تَـمُوتُ في الجلِيل" (1969)، "ودَاعا أيّتُها الحربُ، ودَاعا أيُّها السّلام" (1974)، "تلكَ صُورتُها وهَذا انتِحارُ العَاشِق" (1975)، "مديحُ الظّلّ العَالِي" (1983)، "حِصَارٌ لـمَدَائحِ البَحْر" (1984)، "وردٌ أقلُّ" (1986)، "أَرَى مَا أُرِيد" (1990)، "أحدَ عشرَ كوكبًا" (1992)، "سريرُ الغَريبة" (1999)، "لماذَا تركْتَ الحصانَ وحِيدا" (1995)، "جِداريّةٌ" (1998)، "سَريرُ الغَريبة" (1999)، "لا تَعتذِرْ عمّا فعلْتَ" (2003)، "كَزَهْرِ اللّوزِ أوْ أبْعَد" (2005)، "أثرُ الفَراشَة" (2008)، حظيَ شعرُه بعديد الدّراسات النّقديّة والبحوث الأكاديميّة، ونال نصيبا وافرا من التّرجمات، فقد تٌرجم منه إلى حوالي إثنتيْن وعشرين لغة منها: الفرنسيّة والإنكليزيّة والألمانيّة والإسبانيّة وغيرها من اللّغات. سُجن ثلاثَ مرّات في المعتقلات الصّهيونيّة (1961، 1965، 1967).
2- أبو العلاء المعرّي: [363هـ/449هـ]: شاعرٌ فيلسوفٌ عقلانيّ متزهّدٌ من العصر العبّاسيّ. في "معرّة النّعمان" وُلد، وبها تُوفّي. لُقّب بـ "رهين المحبسيْن" كناية عن محبس العمَى ومحبس البيت. فقد اعتزل المعرّي النّاسَ بعد عودته من بغداد الّتي شدّ الرّحالَ إليها أواخر 398هـ وغادرَها عامَ 400هـ. في "دار السّلام"، عاصمةِ الخلافة وعاصمةِ العلوم والآداب والفنون، أُطرِد أبو العلاء من مجلس "الشّريف المرتضي" جرّاء جدال حادّ معه في شأن أبي الطّيّب المتنبّي. والأرجَحُ أنّه سُحِل سحْلا من قدميْه إمعانا في إهانته وإذلاله.
3- في الشّعر العموديّ تُعتَبر هذه الهاءُ السّاكنة "هاءَ الوصْل" الّتي تتّصل بالرّويّ المتحرّك عوضا عن المدّ. وفي الشّعر الحرّ يجوزُ اعتبارُها هي الرّويَّ.
4- يجوزُ تأويلُ هذا الجزءُ من السّطر (إنِّي رأيْتُ.. رأيْتُ الوَدَاعَا) تأويلا نحويّا آخر: "إنِّي رأيْتُ": جملةٌ اسميّة من ناسخ حرفيّ واسمه وخبره، وفعلُ "رأيتُ" هنا لازمٌ جاءَ بمعنى الرّؤيا الحدْسيّة. أمّا "رأيتُ الوداعَا" فجملةٌ فعليّة من فعلٍ متعدّ وفاعل ومفعول به، وفعلُ "رأيتُ" هنا بمعنى الرّؤية الحِسّيّة.
5- ذُكرَ عنوانُ المجموعة في قصيدة وحيدة مرّتيْن: في سطرها الأوّل: "وَرْدٌ أقلُّ" وفي سطرها الأخير: "وَرْدِي أقلُّ". القصيدة: "هُنالك لَيْلٌ"، الرّقم 21، الصّفحة 45. لكنْ وردتْ لفظةُ "الوَرْد" في سياقاتٍ مختلفة من الكتاب.
- المصدر:
-       محمود درويش، وردٌ أقلُّ، الطّبعة السّادسة، 1/10/1993، دار العودة، بيروت.
- المراجع:
-       جاغي (مايا): "مسيرةُ حياته"، ترجمة: غازي مسعود، 2002، موقع محمود درويش:
-       صفحة الفيس بوك: "محمود درويش: ثنائيّةُ الشّعر والموسيقَى" (دون اسم المؤلّف):
-       الطّرابلسي (محمّد الهادي): "الإيقاعُ في الشّعر العربيّ الحديث"، دروسُ مناظرة التّبريز في اللّغة والآداب العربيّة، دورة 2005، كلّيّة الآداب والفنون والإنسانيّات بمنّوبة، تونس (مخطوط).
-       قطاطو (خليل): "محمود درويش مع السّلام وضدّ أوسلو"، منتدى جمّول عن "القدس العربيّ":
-       مؤسّسة محمود درويش: http://www.darwishfoundation.org/arabic.php
-       موقع "يا بيروت": محمود درويش (دون اسم المؤلِّف):
-       وازن (عبده): "محمود درويش: الغريبُ يقعُ على نفسِه، قراءةٌ في أعمالِه الجديدة"، الطّبعة 1، رياض الرّيّس للكتب والنّشر، 2006، بيروت، لبنان.
 ² فوزيّة الشّطّي، تونس ²
²ä²



هناك تعليقان (2):

Faouzia Chatti فوزيّة الشّطّي يقول...

رابطُ المقال في موقع أكاديميا:
https://www.academia.edu/36693447/%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84_%D9%86%D8%B5%D9%91_%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF_%D8%AF%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%B4_%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%A9_%D9%88%D8%B1%D8%AF%D9%8C_%D8%A3%D9%82%D9%84%D9%91...docx

Faouzia Chatti فوزيّة الشّطّي يقول...

رابطُ مجلّة الموقف الأدبيّ، العدد: 563، آذار 2018، اتّحاد الكتّاب العرب في سورية:
http://www.awu.sy/PublicFiles/pdf/mawkif/mawkif563.pdf