الوجهُ اللّغويّ من المؤامرة

الوجهُ اللّـغويّ مِن المؤامرة

سأظلّ على يقينِي بأنّ العربيّة الفصحى تُواجه هجمة شرسة جدّا من أعداء الخارج الغربيّ وخونة الدّاخل العربيّ. يُراد لها أن تموتَ لتبقى كاللاّتينيّة يُصلّى بها في الكنائس. أمّا الصّهاينةُ الّذين يعرفون من أين تُؤكل الكتفُ، فبمجرّد أن كوّنوا منظّمتَهم العالميّة، أحيوْا "العبريّة" مِن رماد بعد أن كانت مجرّدَ لغةِ يُصلّى بها في المعابد اليهوديّة. أحيوْها بقرار سياسيّ صلبٍ سانده رجالُ الدّين بحماسة "توراتيّة" خالصة. وقتها كانت اللّغةُ "اليَديشيّة" هي لغة المعاش اليوميّ عند اليهود في أغلب أوطانهم شرقا وغربا.

قَتلُ اللّغة هو البوّابةُ الأسلمُ للفتْك بحضارة مّا. ونحن، أحببنا أم كرهنا، في صراع حضاريّ البقاءُ فيه للأقوى. فكيف نواجه خصومَنا ونحن خُرسٌ؟؟؟ ثمّ إنّه لِسانيّا لا تُوجد في العالم كلّه "لغةٌ عاجزة" عن أداء المعنى. إنّما يُوجد متكلّمون قاصِرون أو عاجِزون عن أداء المعاني بلغات معيّنة. وهكذا حالُ الكثير من أبناء الفصحى: يُسقطون عجزَهم على اللّغة ليَعيبُوها بما هو فيهم لا فيها. يتّخذون اتّهامَ اللّغة "قرينةَ براءة" لأنفسهم. وبئسَ البراءةُ تلك.

في إيطاليا ما بعد فاشيّةِ موسوليني، اُتّخذ قرارٌ سياسيّ- ثقافيّ يجعل التّلفزةَ الإيطاليّة تستعمل اللّغةَ الرّسميّة في جميع برامجها، رغم وجود أكثر من 1200 لهجة إيطاليّة متمايزة جدّا. حتّى إنّ الإيطاليّين يتندّرون إلى الآن بالقول «لقد وحّدتْنا التّلفزةُ أكثر ممّا وَحّدنا السّاسةُ». وهذا صحيحٌ، فقد وحّدتْهم التّلفزةُ بفرضِ لغة مشتركة تعلُو على اللّهجات المحلّيّة دون أن تُلغيَها، وساهمتْ بذلك في تقريبِ أبناء الشّعب المتنافرين جغرافيّا وثقافيّا ونفسيّا من بعضهم بعضا وفي تخفيضِ نسبة الأمّيّة الّتي كانت متفشّية بُعيد الحرب العالميّة الثّانية.

لذا ليس من قبيل العَبث أو العفويّة أن تُحارَب الفصحى الجامعةُ بين كلّ الشّعوب العربيّة بمثل هذه الشّراسة والعدوانيّة، وليس من النّادر أن تجدَ من "النّخبة" الّتي تزعم العلمَ والثّقافة مَن ينبري لاقتلاع منابت الفصحى بأعذار شتّى أضعفُها أقبحُ من ألفِ ذنب متفانِين في تكريسِ "الوجه اللّغويّ من المؤامرة". فهؤلاء أدمنوا التّسوّلَ في البلاطات الآسنة حيثُ الدّفعُ بالبترودولار وحيثُ الولاءُ للأكثر سخاءً.

فوزيّة الشّـطّي

تونس: 1 ديسمبر 2013