إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2020-08-23

أبو حامد الغزالي والفقيهُ المنشود، 1993-1994

العنوان: أبو حامد الغزالي والفقيهُ المنشود  
فرض حضوريّ
إعداد الطّالبة: فوزيّة الشّطّي
شهادة: الحضارة القديمة
السّنة الجامعيّة: 1993-1994
نُشر في: المجلّة الجزائريّة الثّقافيّة، 2020.08.23
الموضوع:
 قَالَ أَحدُ الدّارسين: «صَارَ الْفَقِيهُ مَعَ الْغَزَالِي وَبَعْدَهُ وَارِثَ الْأَنْبِيَاءِ وَمُضَاهِيَ الْـمَلاَئِكَةِ. وَانْـحَصَرَ دَوْرُهُ فِي نَشْرِ الدِّينِ وَفِي طَلَبِ بَعْضِ الْعُلُومِ، أَيْ فِي مَا يَـحْفَظُ الدِّينَ وَيَـحْرُسُهُ مِنَ الطُّرُقِ وَالطَّوَائِفِ وَالْـخِلاَفَاتِ الدَّاخِلِيَّةِ».
نَاقِشْ هَذَا الرَّأْيَ.
العمل:
اِنشغل الفقهُ الإسلاميُّ باستنباطِ الأحكام الشّرعيّة مِن الأصولِ الأربعة الّتي هي: القرآنُ والسّنّةُ والإجماعُ والقياسُ. وظلّتْ هذه الوظيفةُ التّشريعيّةُ ملازمةً للفقهِ الإسلاميّ منذُ نشأتِه حتّى ظهورِ أبي حامد الغزالي1 الـمُكنّى بـ'حُجّة الإسلام'، في القرن 5ه/11م. فبفضله تطوّرتْ مكانةُ علمِ الفقه (السّنّيّ) مِن مجرّد شرحِ النّصّ القرآنيّ وتأويلِه وتبيّنِ مقاصده إلى محاولةِ تـمثّلِه وتقنينه وحمايتِه مِن الطُّرق الشّاذّة والطّوائف الـمُغالية والخلافات الدّاخليّة سعيا إلى حفظِ الدّينِ نقيّا مِن البِدعِ.
فكيف تجلّى هذا الدّورُ مِن خلال مواقفِ الغزالي وإضافاته؟
جاهدَ أبو حامدٍ في سبيل أن يكونَ الفقيهُ الإسلاميّ «وارثَ الأنبياءِ ومُضاهيَ الـملائكةِ» مُحاولا تجسيدَ هاتيْن الصّفتيْن في سيرتِه الفكريّة الّتي صوّرها خاصّة كتابُه "الـمُنْقِذُ مِنَ الضَّلاَلِ". فأنْ يكونَ الفقيهُ «وارثَ الأنبياء» يعني أن يحفظَ الدّينَ الّذي اكتملَ مع الرّسولِ، عليه السّلامُ، عن طريقِ الوحي بأنْ يستكملَ شرحَه لبيانِ ما غمُض مِن آياته ولاستخراجِ ما استترَ مِن أحكامِه. دورُ الفقيه، إذنْ، خلافةُ النّبيِّ دُنيويّا. فهو مَن أُوكلتْ إليه مَهمّةُ استيعابِ هذا الإرث الدّينيّ والاجتهادِ في تفسيرِه ونشرِه بين الخاصّة والعامّة ليسهّلَ أمرَ اعتناقِه.
عاش الغزالي في عصرٍ ساده العنفُ السّياسيّ والدّينيّ: إذ اشتعلت الصّراعاتُ بين أعضاء الأسرة السّلجوقيّة الحاكمة، وانتشرتْ حركاتُ التّمرّد المسلَّحةُ، واندلعت الثّوراتُ الدّمويّة التّرهيبيّة للفِرق الباطنيّة، وقويت الصّراعاتُ المذهبيّة بين السّنّة والشّيعة وداخل كلّ مذهبٍ منهما، وشرع الغزوُ الصّليبيّ يجتاح دولةَ الخلافة... وقد حاول الغزالي في أغلبِ مؤلَّفاته، خاصّة منها "الاقْتِصَادُ فِي الاعْتِقَادِ" و"إِحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ" و"الـمُنْقِذُ مِنَ الضَّلاَلِ"، أن يؤسّسَ فهْما جديدا للإسلامِ يكونُ بعيدا عن الغُلُوِّ نقيّا مِن الشّذوذ. لذلك انكبَّ على استيعابِ العلومِ والمذاهب ذاتِ الوزن الحاسم في عصرِه. تلك العلومُ والمذاهبُ الّتي بدأتْ تتأصّلُ في الثّقافةِ الإسلاميّة وتؤثّر في عامّةِ المسلمين وتتفنّنُ في فهم النّصِّ الدّينيّ بل تبتدعُ، بمعنى البِدْعة، في تعاملِها معه. نذكرُ مِن ذلك علمَ الكلامِ الّذي بعد أن درسَه الغزالي، أقرّ بأنّه لا يمكن الاطمئنانُ إليه. هذا لكونِه، حسب زعمِه، ليس علْما يقينيّا. إنّما تنحصرُ وظيفتُه في «حفظِ عقيدةِ أهل السّنّةِ وحراستِها مِن تشويشِ الـمُبتدِعة». أمّا الفلسفةُ فقد كان موقفُ أبي حامدٍ مِنها أشدَّ صرامةً. إذْ كفّرَ الفلاسفةَ في ثلاثِ مسائلَ وبدّعَهم في سبعَ عشرةَ مسألةً. وقد نبّه إلى خطورةِ بعضِ المقولات الفلسفيّة خاصّة على عقيدةِ العامّةِ. أمّا الباطنيّةُ فرفضَ تطاوُلَهم على النّصِّ القرآنيّ وإيمانَهم بـ 'المهديّ المستور'، ورأى أنْ لا حاصلَ لعلمِهم ولا طائلَ مِنه نظرا إلى مغالاتِهم في التّمسّكِ بالمذهبِ الشّيعيّ.
أحدثتْ هذه العلومُ والمذاهبُ وغيرُها البلبلةَ في نفوسِ مسلمِي عصر الغزالي بعد أن عمّتِ الطّمأنينةُ أثناءَ القرون الأولَى مِن ظهور الإسلام. وكانت النّتيجةُ أن عمّ التّناحرُ والخلافُ بين أتباعِها. لذلك كانت مواقفُ أبي حامد الجريئةُ الصّارمةُ ترمي إلى دحضِ الخلافاتِ الدّاخليّة عبر توحيدِ قراءة النّصّ القرآنيّ في "مذهبٍ واحد صحيح" تسير عليه الأمّةُ الإسلاميّة جمعاء. عسى أن يلتئمَ شملُها ويجتمعَ شتاتُها.
أمّا أن يكون الفقيهُ "مُضاهيَ الملائكةِ" فيعني أنّ الفقيهَ يهتدي بنور الله في اجتهاده وفتواه. وقد جسّد الغزالي فكرةَ النّور الرّبّانيّ في تعريفه لليقين الإيمانيّ بأنّه «نُورٌ قَذَفَهُ اللهُ فِي قَلْبِي». فالعلمُ اليقينيّ بوجودِ الله، حسب هذا التّمشّي، لم يتأتَّ عن طريق الفلسفة أو علم الكلام أو البحث العقليّ عامّة. إنّما هو إلهامٌ مِن عند الله ينالُه المسلمُ بعد استكمال تجربة التّصوّفِ عقيدةً وسلوكا. وهي تجربةٌ تقتضي جهادا قاسيا ضدّ شهوات النّفس وانغماسا في التّعبّدِ والتّأمّل وانقطاعا عن النّاس حتّى يبلغَ المتصوّفُ درجاتِ التّوقِ والشّوقِ والمكاشفةِ. فتلك الحالاتُ الصّوفيّة الثّلاثُ تؤهّله لتقبّلِ النّور الإلاهيّ الّذي يُقذَف في صدر المؤمنِ الصّوفيّ دون سواه. عندها سيعبد اللهَ كأنّه يراه.
أن "يُضاهيَ الفقيهُ الملائكةَ" يعني، حسب الغزالي، أن يكون مِـمَّن يصطفيهم اللهُ ويرفعهم عن درجةِ عامّة النّاس الّذين يميلون إلى التّقليد في عقائدهم. فالفقيهُ الصّوفيّ يحظى بإيمانٍ يقينيّ لا يأتيه الشّكُّ مِن بين يديْه ولا مِن خلفه، يقذفُه اللهُ في صدره بإرادة عُليا مِنه وبمجاهدة ذاتيّة مِن المتصوّف. إنّه إيمانٌ مشحون بطاقةٍ نورانيّة تُنير بصيرةَ الفقيه. فيتعالى عن دارِ الغرور والفناء توقا إلى دار الخلود حيث الملائكةُ والأنبياءُ.
لقد اجتهد الغزالي في تكريس الثّالوثِ، المذهبِ السّنّيّ الشّافعيّ2 والعقيدةِ الأشعريّة والطّريقةِ الصّوفيّة، منهجا وحيدا لحماية الدّين الإسلاميّ مِن نزعةِ الابتداع الّتي قد تفشّتْ في عصره مع اتّساعِ العمليّة التّأويليّة وتفرُّعها. وجدّ في أن يجعل هذا الثّالوثَ الفقهيّ العقائديّ الطُرقيَّ منسجما داخليّا كيْ يقاومَ التّيّارات البِدْعيّةَ الخارجيّة.
لكنْ إلى أيِّ مدًى يمكن اعتبارُ أبي حامد الغزالي وفيّا لهذا الهدفِ ومجسِّدا للفقيه النّموذجيّ الّذي "ورث الأنبياءَ وضاهى الملائكةَ"؟
كان انشغالُ أبي حامدٍ بنشرِ المذهبِ السّنّيّ في مقابل المذهبِ الشّيعيّ عامّة والباطنيّةِ خاصّة، يندرج ضمن الإرادةِ السّياسيّة القائمة آنذاك. فقد نسّق الحاكمُ السّلجوقيّ نظامُ الـمُلْك3 مع أبي حامد الغزالي لمحاربةِ الفرقِ الباطنيّة (مَن تعتقد أنّ للنّصّ الدّينيّ معنييْن: ظاهرٌ متاحٌ فهمُه، وباطنٌ مقصورٌ على مَن اصطفاهم الله) خاصّةً منها القَرامِطة4 والـخُرَّميّة5. وأنشأ مِن أجل ذلك المدارسَ النّظاميّةَ حتّى تنشرَ تعاليمَ المذهب السّنّيّ.
بناءً على ذلك فإنّ السّلطةَ الّتي مثّلها الغزالي لم تكنْ فكريّةً خالصة. إنّما شابها البعدُ السّياسيّ وحدّد وجهتَها في عصر كثرتْ خلافاتُه المذهبيّة وعمّتْه الفوضى السّياسيّةُ. فالكثيرُ مِن المذاهبِ قد اتّخذتْ أهدافا سياسيّة معلَنة وأصبحتْ تهدّدُ السّلطةَ الرّسميّة القائمة بالفوضى الاجتماعيّة أو بالتّمرّد المسلَّح. فعمدتْ هذه الأخيرةُ إلى تبنّي أبي حامد الغزالي فكرا وسلوكا أو التّحالفِ معه على أساسِ وِحدة الغاية. إنّ الفقيهَ الّذي يدعُو إليه حجّةُ الإسلام لا يمكن إلاّ أن يكون محايِدا سياسيّا حتّى يستطيعَ الوفاءَ بالتزامه العلميّ تجاه العقيدةِ الإسلاميّة السّنّيّة دون انحيازٍ سافر أو أوامرَ مسقَطةٍ. بيد أنّ ذلك الحيادَ لا يمنعَ أن يضعَ يدَه في يدِ السّلطة السّياسيّة ذوْدا عن الدّين.
ثمّ إنّ الغزالي قد انتهى إلى التّصوّف باعتباره حلاًّ وحيدا لحالة الشّكّ وسبيلاً أوحد إلى اليقين. وفي ذلك القرار عودةٌ إلى الطُّرقيّة الّتي كان قد حاربها ودحض فوائدَها وعدّها خروجا عن الدّين الحقّ. ورغم أنّه حدَّ التّصوّفَ الّذي يتبنّاه وجعله طريقةً إسلاميّة بعيدة عن المغالاة والشّذوذ، فإنّ تصوّفَه كان تكريسا للنّزعةِ الفرديّة وإمعانا في الهروبِ مِن دنيا الفناء. أمّا الفقيهُ الّذي قصده فهو ذاك الّذي يتحمّلُ عبءَ إرث الأنبياء ويلتزمُ بصيانته والذّودِ عنه. وهذه الوظيفةُ تُوجب عليه الانغماسَ في الحياةِ العامّة والاختلاطَ العميق بالنّاس لا الانفصالَ عنهم. حسبُنا شاهدا على ذلك أنّ الغزالي لم يُحرّكْ ساكنا عندما سقط "بيتُ المقدس" في يد الصّليبيّين عامَ 492ه. فقد كان معتكفا في محراب عزلته الصّوفيّة ساهِيا عن الاجتياحِ المدمِّر الّذي يفتكّ القبلةَ الأُولى ويرجُّ أركانَ دولة الخلافة.
زدْ على ذلك أنّ الغزالي في نقدِه لشتّى المذاهبِ والعلوم لم يلتزمْ الموضوعيّةَ الكاملة. فقد كان الثّالوثُ، مذهبُه السّنّيّ الشّافعيّ وعقيدتُه الأشعريّة وطريقتُه الصّوفيّة، بمثابةِ القانون الّذي على أساسه ينقد كلَّ ما عداه مِن المذاهب والعقائد والطُّرق والعلوم. وهذا الضّربُ مِن النّقدِ لا يحسم الخلافات الدّاخليّةَ بقدر ما يعمّقُها ويُشيعُها. مثالُنا على تلك النّزعةِ الإقصائيّة أنّه شنّ، في كتابِه "تَـهَافُتُ الفَلاَسِفَةِ"، هجوما عنيفا على الفلاسفةِ لكونِهم يدّعون التّوصّلَ إلى الحقيقة الغيبيّة عن طريق العقل. بل إنّه شرّعَ إقصاءَ الفلسفة مِن التّفكير في الغيبيّات. لقد عمّق الغزالي الشّرخَ بين التّفكير الدّينيّ والتّفكير الفلسفيّ بدل أن يستعينِ بالفلاسفة على مقارعةِ الفِرق الشّاذّة المغالية والبِدع المناقِضة للعقل وللمنطق. وبعد قرابة ثلاثةِ أرباع القرن جاءه الرّدُّ الفلسفيّ "الثّأريُّ" عنيفا دقيقا مفصَّلا في كتابِ "تَـهَافُتُ التَّهَافُتِ" الّذي ألّفه الفقيهُ المالكيّ ابنُ رشدٍ6 فيلسوفُ قرطبةَ وشارحُ أرسطو.
ثمّ إنّه ليس بوسعنا المغامرةُ بالقول أنّ الغزالي قد أرسى شروطَ الفقيه لمن بعدَه. هذا لكونِه انتهى إلى تلك الشّروطِ والصّفات بعد أن خاضَ تجربةً ذاتيّة لا يمكن إسقاطُها على باقي الفقهاء. لقد اجتهد في تجسيد الفقيهِ «وارثِ الأنبياء ومُضاهِي الملائكة» في شخصه هو دون أن يتمكّن مِن جعلِ هذا النّموذج قاعدةً عامّة يسير الفقهُ السّنّيّ على منوالها.
نستخلصُ مِـمّا تقدّم أنّ أبا حامدٍ الغزالي علاّمةٌ كبير وعلامةٌ بارزةٌ في الحضارةِ العربيّة الإسلاميّة، تأثّر بها بقدر ما أثّر فيها. لذا تكاد دراسةُ فكرِ الغزالي أن تختزلَ دراسةَ ما انتهى إليه الفكرُ العربيّ الإسلاميّ في ق5ه. فمِن أجلِّ ميزاته أنّه حاول، فقيها ومتكلِّما وفيلسوفا ومتصوِّفا، أنْ يستوعبَ علومَ عصره الشّرعيّةَ والفلسفيّةَ وأن يتّخذَ مِنها مواقفَ واضحة سعيا إلى توحيدِ شتات أمّته المهدّدة داخليّا وخارجيّا. فعكستْ تجربتُه تلك ما يمور به عصرُه مِن غنًى وغُلوّ وخلاف وصِدام وانهيار متسارع. ورغم إضافاته الفكريّة الكثيرة إلى ثقافته الأمّ، يُعدّ إلى حدٍّ كبير إحدى نقاطِ انغلاقها خاصّة عندما هاجَم العقلانيّةَ الفلسفيّة. فقد ساهم بذاك الموقفِ الإقصائيّ الصّداميّ في غلق باب الاجتهاد. بل إنّ عزلتَه التّصوّفيّة تصوّر، رمزيّا، تقوقُعَ هذه الأمّة على نفسِها وانقطاعَها عن الفعل في زمانها وانشغالَها بتضميد ما تيسّر مِن جراحِها الثّخينة.
الهوامشُ:
1 أبو حامد محمّد الغزاليّ الطّوسيّ النّيسابوريّ [450-505ه/1058-1111م]: مِن أشهر علماء المسلمين. كان فقيها وأصوليّا ومتكلّما وفيلسوفا. وكان صوفيَّ الطّريقةِ، شافعيَّ الفقهِ، أشعريَّ العقيدةِ. أُسندتْ إليه رتبةُ التّدريس في المدرسةِ النّظاميّة ببغدادَ عامَ 484ه. أهمُّ مؤلَّفاته: "إِحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ"، "الـمُنْقِذُ مِنَ الضَّلاَلِ"، "الاقْتِصَادُ فِي الاعْتِقَادِ"، "إِلْـجَامُ العَوَامِّ عَنْ عِلْمِ الكَلاَمِ"، "مَقَاصِدُ الْفَلاَسِفَةِ"، "الوَسِيطُ فِي الفِقْهِ الشَّافِعِيِّ"، "البَسِيطُ فِي الـمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ"، "الوَجِيزُ فِي فِقْهِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ"، "تَهَافُتُ الفَلاَسِفَةِ"، "فَضَائِحُ البَاطِنِيّةِ".
2 نسبة إلى "أبي عبد الله محمّد بن إدريس الشّافعيّ" [150-204ه/767-820م]. مِن أئمّة أهل السّنّة والجماعة. هو واضعُ أحدِ المذاهب السّنّيّة الأربعة (الشّافعيّة، المالكيّة، الحنفيّة، الحنبليّة). كان قاضيا وشاعرا ورحّالة وفقيها وعالما بالحديث والتّفسير. يُعدّ مؤسّسَ علم أصول الفقه. مِن أهمّ مؤلّفاته: "الأُمُّ"، "الرِّسَالَةُ"، "اِخْتِلاَفُ الـحَدِيثِ"، "السُّنَنُ الـمَأْثُورَةُ "، "أَحْكَامُ القُرْآنِ"، "جِـمَاعُ العِلْمِ"، "وَصِيَّةُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ"، "الـجَوْهَرُ النَّفِيس فِي شِعْرِ الإِمَامِ مُـحَمّدٍ بْنِ إِدْرِيس".
3 أبو عليّ حسن بن عليّ بن إسحاق الطّوسيّ المشهور بـلقبِ نظام الـمُلك: [408-485ه/1018-1092م]: هو أشهرُ وزراء الدّولة السّلجوقيّة الّتي أسّسها "طُغرل بك" في إقليم خراسان عامَ القرن 429ه/1037م والّتي التزمتْ بالولاء للخلافة العبّاسيّة. ثمّ امتدّتْ في أوج ازدهارها لتشملَ إيران وأفغانستان ووسط آسيا والعراق والشّام والأناضول وحتّى مشارف القسطنطينيّة. شاركتْ في كبحِ جماحِ المدّ الشّيعيّ داخليّا وفي التّصدّي للصّليبيّين خارجيّا. كان "نظامُ الملك" داعيةً للعلم والأدب. ألّف "كِتَابُ السِّيَاسَةِ" (سياست نامه) ضمّنه أفضلَ النّظم لحكم الولايات الّتي تتكوَن منها الدّولةُ وسبلَ تصريف الأمور وسجّل فيه أصولَ الحكم الّتي تؤدي إلى استقرار البلاد. قتله طعْنا أحدُ أعضاء فرقة "الحشّاشين" المنشقّةِ عن الإسماعيليّة.
4 القَرَامِطَةُ: حركةٌ باطنيّة سرّيّة مسلّحة انشقّتْ عن الدّولةِ الفاطميّة وثارتْ ضدّ الخلافةِ العبّاسيّة، تُنسَب إلى 'حمدان بن الأشعث قرمط' الّذي بدأ دعوتَه مِن مدينة 'الكوفة' العراقيّة. انتسبت الحركةُ مذهبيّا إلى الشّيعة الإسماعيليّة قبل أن تنشقّ عنها. آمن القرامطةُ بأنّ روحَ الله تحلُّ بأئمّتهم. واعتقدُوا في غيبةِ الإمام 'محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصّادق'، واعتبروه 'المهديَّ المنتظَر' الّذي سيعود آخرَ الزّمان ليملأ الأرضَ عدلا والّذي له داعيةٌ يمثّله ويعمل حسب تعليماته. عامَ 317ه/908م أغار القرامطةُ على المسجد الحرام: قتلوا آلافَ الحجّاج، خلعُوا بابَ الكعبة، نزعوا كسوتَها، سرقوا الحجرَ الأسود، أخفوْه عندهم 22 سنةً، نهبوا أهلَ مكّة. دامتْ "الدّولةُ القرمطيّة" حواليْ قرنيْن [277-470ه/890-1078م]. وهيمنتْ على أراضٍ شاسعة في شرقِ الجزيرة العربيّة والشّام والعراق وخُراسان واليمن وعُمان والبحريْن دون أن يكون لها حكمٌ مركزيّ شامل (قرامطةُ البحرين، قرامطةُ العراق، قرامطةُ الشّام...). مُنِيتْ جيوشُ الخلافة العبّاسيّة بعديدِ الهزائم العسكريّة في مواجهة القرامطة. ثمّ بدأ التّفكّكُ والانهيارُ لـمّا تحالفَ ضدّهم المتمرّدون الـمحلّيّون والسّلاجقة والفاطميّون (في مصر) والعبّاسيّون (في بغداد). كانتْ النّهايةُ الحاسمة في معركةِ 'الخندق' شمالي 'الأحساء' عامَ 470ه في عهد الخليفة العبّاسيّ السّابعِ والعشرين 'الـمُقتدي بأمر الله'.
5 الـخُرَّمِيّةُ: حركةُ تمرّد مسلّحة ظهرتْ في 'همذان'، وانتشرتْ في إيران وأذربيجان وأرمينية حيث تحصّنتْ بالمناطق الجبليّة الوعْرة. دامتْ أكثرَ مِن عشرين سنةً [201-222ه/816-837م]. تُنسَب إلى 'بَابك بن بَهرام الخُرّميّ'. عقيدتُها مزيجٌ مِن التّشيّع والمزْدكِيّة والزّرادشْتيّة. عظّمتْ القائدَ العسكريّ 'أبا مسلم الخراسانيّ' الّذي أعدمه العبّاسيّون بعد الإطاحةِ بالأمويّين. قادت الخرّميّةُ أعنفَ مواجهةٍ دينيّة وسياسيّة وعسكريّة مع الدّولة العبّاسيّة، وتحالفتْ مع البيزنطيّين أعداءِ العبّاسيّين. اِستنزفتْ جيشَ الخلافة وهزمتْ حملاته الكثيرة ضدّها إلى أن قضى عليها جيشُ الخليفة العبّاسيّ الثّامنِ 'المعتصِم بالله' بقيادة التّركيّ 'حيدر بن كاوس' الملقَّب بـ'الإفشين'. وثّق الشّاعرُ 'أبو تمّام حبيب بن أوس' هذا النّصرَ في مدحيّة حماسيّة مطلعُها: «آلَتْ أُمُورُ الشِّرْكِ شَرَّ مَآلِ .. وَأَقَرَّ بَعْدَ تَـخَمُّطٍ وَصِيَالِ».
6 أبو الوليد محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن رشد، يشتهر باسم "ابن رشد الحفيد"، ويسمّيه الأوروبيّون Averroès: [520-595ه/1126-1198م]. مِن كبار أعلامِ الحضارة العربيّة الإسلاميّة. يُعدّ شخصيّةً علميّة أندلسيّة متعدّدة التّخصّصات. فهو فيلسوفٌ وفقيه وطبيب وقاضٍ وفلكيّ وفيزيائيّ. مِن مؤلَّفاته الغزيرة: "تَـهَافُتُ التَّهَافُتِ"، "كِتَابُ الكُلِّيَّاتِ فِي الطِّبِّ"، "شَرْحُ أُرْجُوزَةِ ابْنِ سِينَا"، "فَصْلُ الـمَقَالِ وَتَقْرِيرُ مَا بَيْنَ الـحِكْمَةِ وَالشَّرِيعَةِ مِنَ الاتِّصَالِ"، "الكَشْفُ عَنْ مَنَاهِجِ الأَدِلَّةِ فِي عَقَائِدِ الـمِلَّةِ"، "تَفْسِيرُ مَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ لِأَرُسْطُو"، "تَلْخِيصُ السَّفْسَطَةِ لِأَرُسْطُوطَالِيس"، "تَلْخِيصُ القِيَاسِ لِأَرُسْطُو"، "جَوَامِعُ كُتُبِ أَرُسْطُوطَالِيس فِي الطَّبِيعِيَّاتِ وَالإِلَـهِيَّاتِ"، "شَرْحُ البُرْهَانِ لِأَرُسْطُو"، "تَلْخِيصُ السِّيَاسَةِ لِأَفْلاَطُون"، "البَيَانُ وَالتَّحْصِيلُ وَالشَّرْحُ وَالتَّوْجِيهُ وَالتَّعْلِيلُ فِي مَسَائِلِ الـمُسْتَخْرَجَةِ"، "بِدَايَةُ الـمُجْتَهِدِ وَنِهَايَةُ الـمُقْتَصِدِ"، "الضَّرُورِيُّ فِي صِنَاعَةِ النَّحْوِ"، "الضَّرُورِيُّ فِي أُصُولِ الفِقْهِ" (أو: مُـخْتَصَرُ الـمُسْتَصْفَى).
®فوزيّة الشّطّي ®
® تونس ®