الفتيانُ الذّهبيّون: مِن أين جاؤُوا؟ ومَن وراءَهم؟ تونس، عن: جريدة
الأخبار اللّبنانيّة ² الفتيان الذّهبيّون
والمشاريع الصّدئة: يعرف
المشهدُ السّياسيّ في تونسَ تغييرات كبيرة منذ كانون الثّاني/جانفي 2011. وهي لا
تتعلّقُ فقط بالتّركيبة الحزبيّة والصّراعات والتّحالفات السّياسيّة وأساليب العمل.
بل تشمل أيضا «بروفايلات» السّياسيّين،
وخصوصا الّذين يتولّوْن المناصبَ العليا في البلاد. البروفايل
القديمُ لرجلِ السّياسة المتكوّن في الأحزابِ ونقابات العمّال وأرباب العمل ومنظّمات
المجتمع المدنيّ، يبدو في طريقِه نحو الاندثار، ليفسح الطّريقَ أمام صنفٍ جديد مِن
القادة: الفتيان الذّهبيّون. فمَن هم؟ هم تونسيّون
متفوّقون في دراستهم، أغلبُهم أتمّ دراستَه الجامعيّة في فرنسا، وبدرجة أقلّ في
الولايات المتّحدة، خلال ثمانينيّات القرن الماضي وتسعينيّاته. اشتغلوا هناك
سنواتٍ طويلةً في جامعاتٍ مرموقة أو في شركاتٍ عملاقة ومنظّمات ماليّة ومراكز
بحوث دوليّة. كثرٌ منهم يحملون جنسيّات غربيّة، بالإضافة إلى التّونسيّة. ظهروا
فجأةً في المشهد السّياسيّ التّونسيّ بعد أسابيع مِن سقوط "زين العابدين بن علي".
وتقلّدوا عدّةَ مناصب وزاريّة في حكومةِ "محمّد
الغنّوشي" الثّانية وحكومة "الباجي قايد السّبسي".
لم يكنْ أحدٌ مِن التّونسيّين تقريبا يعرفهم، ولا أحدَ أيضا يعرف مَن اقترح
أسماءَهم وزكّاها. ما نتذكّره مِن تلك الفترة أنّ وسائلَ الإعلام احتفتْ بهم
كثيرا وأطنبتْ في تقديم سيرهم الذّاتيّة المبهرة. وقدّمتْهم على أساسِ أنّهم
تكنوقراط أتوْا ليضعوا معارفَهم وخبراتهم في خدمة الانتقال الدّيمقراطيّ. بل
إنّهم أصبحوا مثالاً للوطنيّة والتّضحية. كيف لا، وهم قد تركُوا مناصبَهم الرّفيعة
وأجورَهم الضّخمة في الدّول الغربيّة لكيْ يلبّوا نداءَ الوطن ويرضون بمناصب
وزاريّة في بلد مِن العالم الثّالث يعيش زلازل سياسيّة واجتماعيّة؟! لم ينتهِ
الدّورُ السّياسيّ لهؤلاء مع تنظيمِ أوّل انتخابات. بل إنّهم بقوا في تونسَ،
وأصبحوا عناصرَ ثابتين في كلّ المجالس المنتخبة والحكومات الّتي تشكّلتْ منذ 2011 إلى
اليوم. وما انفكّ دورُهم في مراكز صنع القرار يتعاظم. ومع وصول "مهدي جمعة"
(2014) ومن بعده
"يوسف الشّاهد"
(2016) إلى
رئاسة الحكومة، يبدو أنّهم مرّوا إلى السّرعة القصوى. ² الفتيانُ الذّهبيّون
لهم تقريبا المسيرةُ نفسها والمشروعُ نفسه: الفتيان
الذّهبيّون حريصون على تقديمِ أنفسهم كتكنوقراط. ولديهم حساسيّة إزاء كلمات مثل
أيديولوجيا وانتماء. يتحدّثون دائما عن الواقعيّة والنّجاعة وأساليب التّسيير
ومعالجة الملفّات. يتعاملون مع الدّولة كأنّها شركةٌ. ويعتبرون المسؤولين موظّفين
كبارا. ويبدو أنّهم يعتبرون المواطنَ حريفاً (عاملاً) والوطنَ سوقًا استهلاكيّة.
يحاولون إقناعَك دوما بأنّه يجب فصلُ الاقتصاد والإدارة عن السّياسة... فماذا
يبقى للسّياسة إذنْ؟ رغم
محاولتهم في البداية تسويقَ أنفسهم كمستقلّين، فإنّهم سرعان ما أسّسوا أحزابا أو
انضمّوا إلى أحزابٍ موجودة مِن قبل. مثلاً: حزب «آفاق تونس» النّيوليبراليّ
الّذي تأسّس عام 2011 يُعَدّ المزوّد الأوّل ل«الفتيان
الذّهبيّين». حزبُ «نداء تونس» الحاكم،
يضمّ كثرا منهم. وحتى «حركةُ النّهضة» تحاول
استقطابَ بعضهم. فيهم حتّى مَن انضمّ إلى أحزاب كانت تُحسَب على وسط اليسار،
كحزب «التّكتّل
الدّيمقراطيّ» و«الحزب الجمهوريّ». مهما كانت
انتماءاتُهم الحزبيّة ودرجات اختلافهم، فإنّ للفتيانِ الذّهبيّين تقريبا المسيرةَ
نفسها والمشروعَ نفسه. أغلبُ الوزراء والنّواب والخبراء الّذين يمكن تصنيفُهم
كفتيان ذهبيّين، هم أعضاء في جمعيّة مؤثرة، لها فروعٌ في تونس وباريس ولندن: «جمعيّة التّونسيّين
خرّيجي المدارس الكبرى» الّتي تأسّست عامَ 1990 في فرنسا
وتضمّ نخبةَ النّخبة، أي الطّلبة التّونسيّين المتفوّقين الّذين درسوا في أعرق
المدارس والجامعات الفرنسيّة. مِن بين المنخرطين في هذه الجمعيّة والمقرَّبين
منها، هناك قرابة عشرة وزراء مِن الثورة إلى اليوم ("ياسين
إبراهيم"، "زياد
لعذاري"، "جلّول
عيّاد"، "نعمان
الفهري"، "سليم
خواص"، "إلياس
الجويني"، "سعيد
العايدي"، الخ). وهناك ضعفُهم مِن النّوّاب،
بالإضافة إلى خبراء في صناعة الرّأي العامّ كـ"حسن
الزّرقوني"، وهو صاحبُ أكبر شركة
لاستطلاعات الرّأي. هذا طبعا مِن دون الحديثِ عن المناصب الثّانويّة و«غير
المرئية». حتّى
الفتيانُ الذّهبيّون الّذين ليسوا أعضاءً في هذه الجمعيّة، لهم تقريبا السّيرةُ
الذّاتيّة نفسها. ويندر أن تجدَ مِنهم مَن لم يدرسْ في مدارس المتفوّقين وجامعاتهم،
ثمّ لم يعملْ مع شركة أو منظّمات أو بنوك عالميّة. مثلاً، رئيسُ الحكومة السّابق
"مهدي جمعة"
(أسّس حزبا جديدا سمّاه «البديلُ التّونسيّ»)، هو
مهندسٌ يعمل منذ عام 1990 مع شركة «توتال» الفرنسيّة
وشغل فيها مناصبَ عليا. أمّا رئيسُ الحكومة الحاليّ "يوسف
الشّاهد" فهو في الأصل مهندسٌ زراعيّ متخرّج
مِن مدرسة مهندسين تونسيّة وحائز درجة الدّكتوراه في الاقتصاد الزّراعيّ مِن
مدرسة مهندسين فرنسيّة قبل أن يعملَ في عدّة برامج تابعة للاتّحاد الأوروبيّ
وللوكالة الأميركيّة للتّعاون الدّوليّ وحتّى السّفارة الأميركيّة في تونس. ² دليلُك إلى الفتى الذّهبيّ: لستَ بحاجةٍ
لفطنة كبيرة أو لاطّلاع معمَّق على السّيرة الذّاتيّة للفتى الذّهبيّ حتّى تعرف
أنّه كذلك. هناك «أعراضٌ» تتكرّر
تقريبا عند أغلبهم. فتُسهّل التّعرفَ إليهم حتّى وإن لم تكنْ متابعا جيّدا للشّأن
السّياسيّ. * عادةً
تراوح أعمارُهم بين 40 و50 سنة (أحيانا أقلّ). ولكنّكَ تحسّ بأنّهم أصغر. * يشبهون
كثيرا مديري الشّركات الكبرى والأطبّاء: نفس الشّحوب و«النّعومة». * أغلبُهم لا
كروشَ لهم ولا شوارب. وهذه «قطيعة» مع الصّورة
السّائدة في المخيال العربيّ للمسؤول الحقيقيّ. * يتحدّثون
اللّغات الأجنبيّة بطلاقة. ولكنْ أغلبُهم يتحدّث العربيّةَ بركاكة تنافس مترجمي
أفلام "MBC2" وأخواتها. * أغلبُهم دمُه
أثقل مِن عجز الميزانيّة العموميّة. * وجوهُهم،
وإنْ كانت تميل إلى الوداعة، فإنّها شبهُ ميْتة: مِن شبه المستحيل أن تحزرَ
مشاعرَ الفتى الذّهبيّ عبر إطالة النّظر إلى وجهه وعيونه. * نادرا ما
يتكلّمون مباشرةً في وسائل الإعلام. فأغلبُ خطاباتهم مسجّلة ولا يعطون
إنترفيوهات [حوارات صحفيّة] إلا
لصحافيّين يكونون أكثرَ لطفا مِن مضيّف(ة) طيران. * قدراتُهم
الخطابيّة شبهُ معدومة. وعندما يحاولون بثَّ الحماسة في خطاباتهم يصبحون مُضحكين. * يستعملون
الشّبكات الاجتماعيّة بكثرة، أوّلاً للتّغطية على عجزهم في التّواصل المباشر،
وثانيا ليُظهروا أنّهم مواكبون للعصر. * يحاولون
باستماتةٍ تصويرَ أنفسهم على أنّهم «أولاد الشّعب» وقريبون مِن
النّاس العاديّين. لكنْ صورُهم مع «العامّة» تُشبه
أكثرَ اللّوحات الّتي تُظهر اللّقاء الأوّل بين الغزاة الإسبان والهنود الحمر. ²
خطابٌ جديد... لأفكار هَرمة: هم لا
يستعملون الخطابَ اللّيبراليّ القديم الّذي كان رائجا لدى الشّيوخ غير الذّهبيّين.
الفتى الذّهبيّ مهذَّب. وعندما يتحدّث عن التّفويت (البيع) في مؤسّسات عموميّة،
لا يقول أبدا خصخصة. بل يستعمل عبارات مثل: إعادة هيكلة المؤسّسات وتقليص العجز
العموميّ. وعندما يريد رفعَ الدّعم عن الموادّ الأساسيّة وتقليص المصاريف
العموميّة في القطاعات الحيويّة، فهو لن يستعملَ أبدا كلمات «بذيئة» مِن نوع
تقشّف الأسعار أو تحريرها. إنّما سيتحدّث عن «إصلاحات
كبرى» و«قرارات
شجاعة». كذلك
سيستعملُ عبارات مِن نوع «الشّراكة بين القطاعيْن الخاصّ
والعامّ» كاسم دلع
لإخضاعِ الاقتصاد الوطنيّ تحت أقدام رؤوس الأموال. هو حتما لن
يقولَ إنّ لديه إيمانا راسخا بأنّ بلادَنا ضعيفة وبأنّ لا حلَّ لها غير التّبعيّة
لدول المركز. ولكنّه سيستعمل عبارات مِن نوع «مزيد مِن
ربط الاقتصاد الوطنيّ بالاقتصاد العالميّ». عندما
يُسأل عن موضوع البطالة، لن يتحدّثَ عن الصّبر وظرفيّة البلاد وكلّ الخطاب
الخشبيّ القديم. هو سيتحدّث عن المبادرةِ الفرديّة والشّباب الخلاّق ودعم
المشاريع والتّكنولوجيا والإقلاع الاقتصاديّ والحلم والتّحدّي والإرادة. صحيح
أنّ هذا يعني «اِذهبْ وربّك، فقاتلا» وأنّه لن
تكونَ هناك مواطن شغل. ولكنّ جبرَ الخواطر حلو. قد تنزعج مِن
حفاوة الاستقبال الّتي يخصّصها الفتى الذّهبيّ لمسؤول غربيّ مِن الدّرجة العاشرة.
وقد تغضب مِن رحلات التّسوّل الدّوريّة الّتي يقوم بها إلى الخارج. ولكنّ الأكيدَ
أنّك ستقتنع عندما يُفسِّر لك الأمرَ بكلماته: «إنّها الدّيبلوماسيّة
النّشطة». وتبقى أكثرُ
العبارات قربا إلى قلبِ الفتى الذّهبيّ هي: محاربةُ البيروقراطيّة، الشّفافيّة،
الحوكمة الرّشيدة، الاقتصاد الرّقميّ، دفع عجلة الاستثمار. هي كلماتٌ هلاميّة.
ولكنّه سيردّدها كتعويذة سحريّة لمناسبة... أو مِن دونها. يبدو أنّ
مستقبلاً ذهبيّا ينتظر الفتيان الذّهبيّين. سيكونون أهلَ الحلّ والعقد في السّنوات
المقبلة وسيكون لهم «شرفُ» إكمال
مسيرة بدأها أسلافُهم مِن المعادن الأخرى في ثمانينيّات القرن الماضي: تصفيةُ
القطاع العموميّ وتحويلُ البلاد إلى شركة ربحيّة ذات مسؤوليّة محدودة. حتّى لو
انهارت البلادُ وتحوّلت إلى غابة، حتّى لو ثار الشّعب، فلا خوفَ على الفتيان الذّهبيّين،
ولا هم يحزنون. أغلبُهم يجمع ما بين الجنسيّة التّونسيّة وجنسيّات «ذهبيّة». ثمّ إنّ
سيرَهم العلميّة والمهنيّة الذّهبيّة ستُمكّنهم مِن الحصول على مناصب ذهبيّة
أخرى... |
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
2021-02-24
الفتيانُ الذّهبيّون: مِن أين جاؤوا؟ ومَن وراءَهم؟، عن: جريدة الأخبار اللّبنانيّة
2021-02-23
كورونا: لا أصْدقَ مِن نظريّةِ المؤامرة
{ لا أصْدقَ مِن نظريّةِ المُؤامرة { أنا مِن جماعة "نظريّة
المؤامرة" الّذين يروْن كورونا خديعةً كبرى
اشتركَ في ترويجها السّاسةُ والإعلامُ والنّخبُ المثقّفة الّتي تشتغل بالضّغطِ
على الأزرار... ليس للفيروس المزعوم قدرةٌ على الفتك أكثرَ ممّا لدى فيروس
النّزلة الوافدة. (هذا إنْ لم يقتنع النّاسُ بأنّ كورونا ليس إلاّ اسما دعائيّا
جديدا لفيروس النّزلة الّذي يُعدَّل جينيّا كلّ عام ليُشاعَ أنّه طوّر تلقائيّا
قدراتِه الهجوميّةَ وكفاءتَه الجرثوميّة كي يُدفعَ الحرفاءُ الخائفون مِن المرض
والموت إلى اقتناء تلاقيحَ تضرّ ولا تنفع). لكن سُخّرتْ مِن أجل تضخيمِ
"كوفيد 19" وترهيبِ النّاس مِن شرّه وإجبارِهم على تلقّي تلاقيح
مشبوهة بل مسمومة تدمّر الصّحّةَ العقليّة والبدنيّة والجينيّة تدريجيّا، كلُّ
وسائل صناعةِ الرّأي العامّ محلّيّا وعالميّا. وبدتْ أغلبُ الحكومات، شرقا
وغربا، مجرّدَ أعوان منفِّذين للأجندا الشّيطانيّة: "نظريّة
المليار الذّهبيّ". وهي تقتضي القضاءَ على "الفائض البشريّ"
بوسائل خبيثة أقلَّ تكلفة مِن الحرب. أهمّها الفيروساتُ المصنّعة في المخابر والتّطعيماتُ
الإجباريّة السّامّة. أمّا "مجانيّةُ
التّحليل والتّطعيم" فهو فصلٌ مِن الخديعة.
والحجْرُ اللاّصحّيّ هو احتجازٌ جماعيّ حتّى كسْرِ شوكةِ الشّعوب وجرِّها
للإبادة. والأسْرُ الّذي لا ينتهي إلاّ ليُجدَّد بأوامر عليّة فهو تجسيدٌ
ميدانيّ لإرهاب الدّولة. وهو أيضا ترويضٌ ممنهَج للشّعوب على حياة العبوديّة
والرّقابة الشّاملة والحكم العسكريّ الفاشيّ المطلَق على منوالِ "الأخُ الأكْبرُ يُراقِبُك" (رواية 1984 لجورج أورويل). حسبُنا أن نطرحَ هذه الأسئلةَ الإنكاريّة حتّى نفكّك
الخدعة الكورونيّة المفضوحة: أين اختفتْ وفياتُ النّزلةِ الوافدة الّتي تبلغ
سنويّا 20 مليون إنسان في
العالم؟؟ هل تَعطّل عملُ الفيروس الموسميّ (هو أيضا صُنّع في المخابرِ
الجرثوميّة مثل السّيدا والسّارس وأنفلوانزا الخنازير وغيرها) بمجرّد أنْ ظهر
منافسٌ كورونيّ على ساحةِ الأمراض والأوبئة؟؟ لماذا يُجبَر النّاسُ على التّطعيم
إذا كان الفيروسُ الكوفيديّ المزعوم يُجدّدُ سلالاته بلا توقّفٍ ويطوّر قدراتِه
الجرثوميّةَ كيفما شاء؟؟ بل لِمَ يُلقَّح البشرُ ما دامتْ منظّمةُ الصّحّة
العالميّة (وهي إحدى أذرع المافيا الشّيطانيّة) نفسُها تعلن أنّ كورونا "مجرّدُ جرس إنذار"
يمهّد لظهور جوائح أعتَى وأشرس؟؟ إنّ الخديعةَ الكورونيّة، فيروسا وهميّا وتلقيحا قاتلا، هي
أوضحُ مِن أن تحتاجَ توسّعا في التّفسير والتّعليل والفضح. بيد أنّ الحشودَ الآدميّة قد عطّلتْ حسَّها
النّقديّ وأسْلمتْ قيادَها للمافيا الإعلاميّة الموبوءة لِتفكّرَ نيابةً عنها. { فوزيّة الشّطّي { { تونس:
2021.02.23 { |