القُبلةُ الحرامُ
إنّها استراحةُ محارب لم يُلقِ السّلاحَ
حتّى استوى على العرشِ مُفرَدا لا شريكَ له. إنّها نشوةُ السّلطان المؤبَّد بإذنِ
الأغلبيّة الغالبة وبركةِ عِيال اللّه الخارجين من العدم إلى عدمٍ سواه. إنّه
الحبُّ الّذي عفَّ حتّى أمات هيبةَ الدّولة وكرامةَ المواطِن وشرفَ تونس الثّائرة
موْتا لا أذلَّ منه ولا أقبحَ ولا أقرَف. صحيح أنّ في كلّ منّا مستبدّا صغيرا كامِنا
يتحيّن فرصةَ الانبعاث من القمقم نحو فُتوّة خالدة تسخر من تجاعيد الزّمن. وإذا
سنحت الفرصةُ ظلَّ الصّغيرُ ذاك يكبُر ولا يهرَم حتّى كأنّه إله إغريقيّ من سكّان
"الأولمب" المجيد. فكيف للشّفاه أن ترتدَّ وقد انفتحَ في وجهها الواهِن "بابُ
العرش"، عرشِ
قرطاج الشّهيدة، شهيدةِ الغُزاة والطّغاة و"الثّوّار"؟ وكيف للحياء أن يجد سبيلا إلى نفوسٍ تضخّمتْ
وتورّمتْ واستأسَدتْ؟ وكيف لليد العُليا [أي: المعطِيةُ
المتعفِّفة] أن تُفوّتَ
على العالَم لحظةً تاريخيّة أنْطقت الأبكمَ وألْـجمَت الفهيمَ وأضْحكت الخليعَ في
منفاه حتّى أجهشَ بالبكاء حسدا أو حنينا إلى "القطيعِ"؟ أليس من أجل هذا هرِمنا واشتعلت الرّوحُ
شيبا وبكيْنا دما ما جفّت ينابيعُه؟ أمِن أجل هذي
اللّقطةِ الصّدمةِ اندفعَ السّيلُ جارِفا الوجعَ الشّعبيَّ مُرتميا في أحضان
القنْصِ الشّبَحيّ مزمجِرا بالمكبوت والمكتُوم وما لَمّا تقُلْه اللّغاتُ؟
يا قومُ، اِسمعوا وعُوا: "ما ضرَّ الشّاةَ سلخُها بعد ذبحِها". قد حلَّ الحرامُ. "العهدَ
هَلمّ نجدّدُه" مع العبيد، كما الضّرائِر
والجواري والإماء. شماتةً في المنافسين الأعادِي الواقفين عند النّقطةِ الصّفرِ
مغلولةً أيادِيهم عن "جحيمِ القُبل" نُعلنها عِيانا لا يحتاج بيانا: نِعْم القبلُ
الّتي بها نحترق على الحقيقةِ بل على المجازِ... إلى لعنة التّاريخ.
فـوزيّة
الشّـطّي
تونس:
2012.04.29
هناك تعليق واحد:
الإهداء
إلى الزّمن الأغبر، زمن تقبيل أيادي الرّعاة الميامين الّذين وهبنا اللّـهُ إيّاهم رحمة بنا ومباركة لثورتنا المشوَّهة
إرسال تعليق