التّعليق على مقال: «نقد المعارضة التّونسيّة»:
مصطفى القلعي
المجلّة الإلكترونيّة
«الكلمة»: العدد 67
نوفمبر 2012
المقال
في أغلبِه الأعمّ وثيقةٌ تاريخيّة مهمّة تؤرِّخ للحركات السّياسيّة التّونسيّة
الثّلاث الأكثر تأثيرا في بلادنا حاليّا، وهي: "النّهضة" و"نداء
تونس" و"الجبهة
الشّعبيّة". تمّ التّركيزُ على الضّلعين
الأخيريْن من مثلّث المشهد السّياسيّ ورصدُ أسسِهما النّظريّة وعواملِ نشأتهما
والمشروعِ المجتمعيّ الّذي يدّعيه كلٌّ منهما. أمّا الحزبُ الحاكم "النّهضة"
فأتى ذكرُه على سبيل المقارنة أو بيان العلاقة أو نقدِ الأداء الفاضح.
كان
نقدُ حركة "نداء تونس" أقرب ما يكون إلى الموضوعيّة العادِلة الّتي
تسمّي الأشياءَ بأسمائها. أمّا نقدُ "الجبهة
الشّعبيّة" فقد امتزج فيه الحيادُ
المنهجيّ مع الهمِّ الوطنيّ الّذي يحمله كاتبُ المقال في حِلّه وتِرحاله. فجاء
النّقدُ أحيانا مناجاةً كئيبة لرفاق الأمسِ واليوم، وهو أحيانا أخرى عتابٌ قاسٍ
للزّعماء اليساريّين والقوميّين على انسداد أفقِهم السّياسيّ انسدادا طال أمدُه
رغم الصّفعات والجراح الّتي أثخنتْ جسدَهم المتشظّي، وكان حينا توبيخا "للجبْهويّين"
على سُكونهم غيرِ الصّحّي (حتّى لا أقول:
المرَضيّ) في البُرجِ الإيديولوجيّ العاجيّ
ينظرون من علٍ كيْ لا يروْا إلاّ ما يُنعشُ أبصارَهم ولا يُزعِجُ بصائرَهم.
كما
عرّتْ الثّورةُ التّونسيّة عوراتِ النّخب "المثقّفة" المستقيلةِ من مهامّها أو السّائرةِ في ركاب
السّلطان أو الغارقةِ إلى الأعناق في الفساد والاستبداد الثّقافـيّيْن، كان
للثّورة الفضلُ في نفْض الغبار عن طبقةٍ سياسيّة مُهترئةِ الخطاب مُختلّةِ الأداء
ضعيفةِ الصّلة بالهمّ الجماعيّ المعيش. طبقةٌ تكابرُ بقدر ما تنهزمُ، تهربُ إلى
الأمام كلّما وجبَ الارتدادُ النّقديّ إلى الوراء خطوات عدّة، تتوهّمُ أنّها تصنعُ
من نقاطِ ضعف "الخصم" (هو خصمٌ على
السّلطةِ لا على المشروعِ السّياسيّ) عواملَ
القوّة الانتخابيّة... باختصار: لا تفضُل المعارضةُ الحزبَ الحاكمَ ("النّهضة"
مُمثّلةً في زعيمِها "راشد الغنّوشيّ" هي الحاكم الفعليّ للبلاد، ويبقَى لحزبيْ "المؤتمر"
و"التّكتّل"
شرفُ الوجودِ الطّرطوريِّ على هامشِ السّلطة) إلاّ
قليلا. يكفي دليلا على ضحالةِ الدّيموقراطيّة داخل اليسار الثّوريّ المعارِض حتّى
بعد الثّورة وبعد انتخابات التّأسيسيّ في 23 أكتوبر 2011 إعادةُ
انتخاب "حمّة الهمّامي" و"شكري
بلعيد" مثلا على رأسيْ حزبيْهما. كأنْ لا
بديلَ كُفءَ لهما. لستُ أعترض على الأشخاص، إنّما على مبدإ "تأبيد"
الزّعامة الفرديّة. ثمّ إنّ الدّيموقراطيّة داخل الأحزاب هي الّتي تؤسّس
للدّيموقراطيّة داخل الوطن ككلّ.
لكنْ
فرصُ مراجعةِ الذّات وإعادةِ ترتيب البيت الدّاخليّ وتجديدِ العهد مع القواعدِ
الخائبةِ الغاضبةِ أو المستقيلةِ من الشّأن العامّ هي الآنَ فرصٌ أرحبُ ما يكونُ
في وجه المعارضة وأضيقُ ما يكون أمام "وريثِ
الاتّجاه الإسلاميّ" الحاكمِ بأمره إلى
أن يأتيَ ما لسنا ندري اللاّعبِ على حبليْ "الدّين" و"الدّولة" المهادِنِ للجمهوريّة إلى حين اكتمال نِصاب "الخلافة الرّاشدة السّادسة"... لذا تمسّكت "النّهضة" بالسّلطة، ولم تنتصحْ لَمّا أشار عليها
أصدقاؤُها الـخُلّصُ بحكومة كفاءات وطنيّة في فترة انتقاليّة مُتوتّرة تفضح
الوعودَ الانتخابيّة الإعجازيّة. لقد ثبتَ للجميع أنّ حُكمَ البلاد في مثل هذي
الظّروف ورطةٌ بل مِحنةٌ هادِمةٌ لذّةَ السّلطانِ.
ولأنّي
أدعمُ "الجبهةَ الشّعبيّة" وأعوِّل على "ولائِها
(لا نقائِها)
الثّوريّ" فإنّي أتبنّى ما كالهُ لها
كاتبُ المقال من لذاعةِ النّقد موضوعيّا كان أو ذاتيّا. عسى ألاّ تُكبّدَنا خيبات
جديدة، والحالُ أنّنا لم نُشفَ بعدُ من الجرحِ الانتخابيّ المصفَّر بلا فواصلَ
تُذكر!
فوزيّة الشّـطّي
تونس: 2012.11.12
هناك تعليقان (2):
نقدُ المعارضة التّونسيّة هو السّبيل الأنجع لإنقاذ ما يمكن إنقاذُ من المسار الدّيموقراطيّ. أمّا نقدُ الحزب الحاكم فكأنّه الحرثُ في البحر الميّت.
كما تكونون يُولّى عليكم: حكمة سياسيّة كونيّة تصدقُ في تونس الآن على الأحزاب الحاكمة بقدر ما تنطبق على المعارضة. فتغوّلُ تلك مِن سلبيّة هذه، وانتهازيّةُ هذه مِن انحرافِ تلك. هما في البؤسِ سواء
إرسال تعليق