تقنيةُ المسرح داخل المسرح
1 - تقنيةُ المسرح داخل
المسرح عند "وليام شكسبير" William Shakespear:
اِعتمد الشّاعرُ
المسرحيُّ الإنجليزيُّ "شكسبير" [1564 – 1616] هذه التّقنيةَ في مسرحيّتِه المأساويّةِ (التّراجيديّة) "هملت"
Hamlt (1) الّتي «يُرجَّح
أنّها عُرِضت لأوّل مرّة عام 1601 وأنْ تكون نُشِرت لأوّل مرّة عام 1603» (2).
2 - تقنيةُ المسرح داخل المسرح عند "لويدجي بيرندلّو"Luigi Pirandello :
لجأ المسرحيُّ الإيطاليّ
"بيرندلّو" [1867 - 1936] إلى هذه التّقنية في
مسرحيّتِه «ستُّ شخصيّاتٍ تبحثُ عن مُؤلِّف» Sei
personaggi in cerca d’autore الّتي بدأ يكتبها في أكتوبر 1920
وعُرِضت على خشبة المسرح للمرّة الأولى يوم 9
ماي 1921 (3).
3 - تقنيةُ المسرح داخل المسرح عند "بيرتولْت برخت" Bertolt Brecht:
حتىّ يكسر الإيهامَ بواقعيّة الأحداث اعتمد المسرحيُّ
الألمانيّ "برخت" [1898 – 1956] هذه التّقنيةَ وغيرَها من التّقنياتِ المرئيّة المختلفة [كعرضِ أشرطة وثائقية] والأسلوبِ التّمثيليّ
غير العاطفيّ [كأنْ يقرأ الممثّلون أدوارَهم قراءةً خالية من التّعبير عن المشاعر] واستعمالِ الممثّلين
للأقنعة... فهو يعتقد أنّ «تعاطُفَ المشاهدين
واندماجَهم في شخصيّاتِ المسرحيّة وأحداثِها يؤدّي إلى عدم فهمِهم رسالةَ المسرحيّة
على الوجهِ الصّحيح» (4).
4 - تقنيةُ المسرح داخل المسرح عند سعد اللّه ونّوس:
جاءتْ مسرحيّةُ «مغامرة
رأس المملوك جابر» للأديب السّوريّ سعد اللّه
ونّوس [1941-1997] تجسيدا لتقنية المسرح
داخل المسرح. إذْ تداخلت قصّتان تشابكتْ أحداثُهما وشخصيّاتُهما وأطرُهما أحيانا
وانفصمتْ أخرى. هما: قصّةُ المملوك جابر بِبغداد في عهد الخليفة "شعبان المنتصر باللّه"
ووزيره "محمّد العبدلي" المنشقّ عنه المستقوي بالعدوّ الفارسيّ،
وقصّةُ الحكواتي وزبائن المقهى الشّعبيّ في عصرنا الحاضر.
خدِمتْ تقنيةُ المسرح
داخلَ المسرح النّقدَ السّياسيّ الّذي بدا هدفا رئيسا عند الكاتب:
- اختار ونّوس من التّاريخ مرحلةً بائسة مُخزِية يستقوي
فيها "الرّاعي"
بالأجنبيّ الغازي المتربِّص بالبلاد. فتدفع الرّعيّةُ ثمنَ خنوعها واستقالتها
التّامة من عالم السّياسة، أيْ تدفع ثمنَ إجرامها في حقّ نفسِها.
- سمحتْ هذه التّقنيةُ بتضمين التّاريخ وإدراجِه في الحاضر
اليوميّ إدراجَ التّداخُلِ والتّجاذُبِ والصّراعِ. فوفّر تضمينُ التّاريخ سِياقا
نقديّا: لا فرقَ إذنْ بين الماضي المُستَعادِ مسرحيّا وبين الحاضر الّذي نكتوي
بِنارِه ونغصُّ بمرارة لُقَمِه ونتجرّعُ سمومه. فذاك يشِي بهذا، وهذا يستعيدُ ذاك
في شكلِ مهزلة بل مأساة.
- فضلُ هذه التّقنية أنّها تُمكّنُ الكاتبَ من استعمال
مصطلحات ذاتِ وجهين: وجهٍ مرجعيّ يسميّ الأشياءَ بأسمائها الّتي كانت تُسمَّى بها،
ووجهٍ رمزيّ نقديّ يسمّي الأشياءَ بالأسماء الّتي هي بها جديرةٌ. فـ "الرّعيّة"
مثلا ليست تُعيِّنُ مجتمع "عصر المماليك" فحسبُ، إنمّا تُدِينُ ما نصطلح اليومَ على
تسميتِه بـ "الشّعب". إنّ شعبَ ونّوس ما زال رعيّةً تسترحمُ
رُعاتِها وتُقبِّل التّرابَ الّذي تدوسُه أقدامُهم وتطأطِئُ لهم الرِّقابَ
الذّليلة. لم يُفارقْ شعبُنا بعدُ منزلةَ الرّعيّة الّتي تسير كالقطيعِ المدرَّب
على خُطى سائِسِها كفِيفةَ البصرِ والبصيرةِ معا. هكذا سار "جابرٌ"
إلى حتفه باسِما طامِعا في الجزاء واثقا من حُسن الختام.
- تتجلّى عقلانيّةُ النّقد السّياسيّ في أنّ الكاتبَ يحاسب
الجميعَ. فالكلُّ مسؤول عن جريمةِ "الخيانة
العظمى" إن قليلا أو كثيرا. إذْ ما كان
الوزيرُ الطّامعُ في نفوذ أوسعَ وأشدَّ "محمّد
العبدلي" لِيخون بلادَه دون أن يرفَّ له
جفنٌ، لو وجد شعبا واعِيا عنيدا يعترضُ سبيلَه ويحاسبُه على ما يقترفُ ويُسقِط عنه
الشّرعيّةَ متى ألفاه غيرَ جدير بها. سلطانُ الأمسِ واليومَ هُوَ هُوَ لأنّ
المحكومَ لم يُغادرْ مرتبةَ الرّعيّة. ولذا يتحمّل نصيبَ الأسد في المسؤوليّة عن
الاجتياح الأجنبيّ المدمِّر.
- كما تحاورَ رُكحا بغداد القديمةِ والمقهى المعاصرِ،
تحاور الزّمنان المظلمان. فكأنّما أحدُهما رَجْعُ صدًى للآخر. وبدا رأسُ المملوك
الانتهازيّ متعدِّدا يحتلّ مواقعَ القيادة من ملايين الجثث، بِقدر ما تجلّى الوزيرُ
الخائنُ نموذجا للحاكمين بأمرهم إلى يومِ النّاس هذا. إنّها مسرحيّة تجسِّد الحكمةَ
القديمة القائلة «كما تكونون يُوَلّى عليْكم» تجسيدا فنّيّا يخترقُ الأزمنةَ.
الهوامش:
1- اِكتفينا بهذه المسرحيّة
لأنّنا لم نستطعْ أنْ نتأكّدَ إنْ كان شكسبير قد استعمل هذه التّقنيةَ في بعض
مسرحيّاته الأخرى أمْ لا.
2- الموسوعة العربية العالميّة، ج 14، مؤسّسة أعمال الموسوعة للنّشر والتّوزيع، ط 2، 1999، الرّياض، المملكة العربيّة السّعوديّة.
3 - Introduzione di: Sei
personaggi in cerca d'autore - Enrico IV, Luigi Pirandello, Oscar
modadori, 2007, Italie.
4- الموسوعة العربيّة
العالميّة، ج 4.
فوزيّـة الشّـطّي ¤ تونس: 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق