وسقطَ القناعُ عن "النّداء"
"نداءُ
تونس" يختار التّقدّمَ إلى الانتخابات التّشريعيّة في قائمات مستقلّة، ويعلن
ذلك فجأة ودون الرّجوع إلى حلفائه في "الاتّحاد من أجل تونس" الّذين عمِل
معهم طيلة عاميْن [حزب المسار، الحزب
الاشتراكيّ، حزب العمل] ودون احترامِ حقّهم في
مناقشة هذا القرار المصيريّ أو حتّى في العلم به مباشرة لا عن طريق وسائل الإعلام
كالغرباء.
يُثبت
ذلك القرارُ بالصّورة الّتي خرج علينا فيها غلبةَ التّيّار الانتهازيّ داخل البيت
النّدائيّ، ويُضفي مصداقيّة على ما التصق به من تُهمٍ عدّة، منها: "رسكلة عُتاة
التّجمّعيّين" و"الارتهان لرأس المال الفاسد" و"النّهج
الاستبداديّ في معالجة الشّؤون الحزبيّة"... أمّا أخطرُ التّهم الّتي قوِي
الآن رصيدُها من الشّرعيّة فهي استعدادُ "النّداء" للتّحالف مع
"الإخوان" من أجل تقاسم الغنيمة التّونسيّة. وهو ما يعني حتْما قطْعُ
الطّريق أمام أيّ خطوة جدّيّة نحو الحرّيّة والدّيمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة،
نحو تحقيق أهداف الثّورة المغدورة [شغل،
حرّيّة، كرامة وطنيّة].
وإذا
علمنا أنّ البرنامجَ الاقتصاديّ الموغِل في اللّيبراليّة عند "النّداء"
كما عند "الإخوان" يكاد يكون واحدا أساسُه اقتصاد السّوق والارتهانُ
لصندوق النّقد الدّوليّ والتّبعيّة اللاّمشروطة للرّأسماليّة المتوحّشة، أدركنا
أنّ التّحالفَ السّياسيّ سيكون بالنّسبة إلى الطّرفين "خيرا لا بدّ منه"
أو "زواجَ متعة" مفتوحَ الآجال مهما أُعلن مِنْ عِداء مُفتعَل ومهما
اشتدّتْ حدّةُ النّفي وتراكمتْ إعلاناتُ التّكذيب. وما يقوّي "العروةَ
الوُثقى" هو أنّهما وجهان لنفس العُملة المحلّيّة المرضِيّ عنها أمريكيّا،
يحظيان برعاية السّفير هنا وبحفاوة الاستقبال هناك. أمريكيّا: غيابُ أحدِهما لن
يخلق فراغا يهدّد مصالحَ "الإمبراطوريّة المتوحّدة"، وحضورُهما جنبا إلى
جنب لا يخلطُ الأوراقَ الحاسمة. أمّا إذا وضعا اليدَ في اليد موزِّعيْن الأدوارَ
حسب حاجات الجماهير السّاذجة فذاك النّعيمُ بعينه لدى "شرطيّ العالم"
المتنمّر المستأسد الضّاحك على ذقون الخلْق.
هكذا
كان حالُ حزبيْ "المؤتمر" و"التّكتّل" أثناء الحملة
الانتخابيّة للمجلس الوطنيّ التّأسيسيّ [23 أكتوبر 2011]:
ألفيْناهما يجتهدان في نفْي أيّ تحالف مع الفصيل الإخوانيّ بتونس رغم انفضاح اللّعبة
في الخطاب المراوِغ المتعثّرـ تَعلّلاَ بـ "اختلاف النّموذج المجتمعيّ"
وبـ "تباين المرجعيّة الإيديولوجيّة" وبـ "استحالة انسجام
الأضداد"... ثمّ كان ما كان. إنّ شعارَ هؤلاء، مؤتمرا كانوا أو تكتّلا أو
نداءً، هو أنّ تكذيبَ الحقائق لا يدخل في خانة "الكذب" أخلاقيّا، إنّما
يندرج في باب المناورة المشروعة سياسيّا.
بفضل
هذا القرار الموغل في الوضاعة السّياسيّة أسقط النّدائيّون ورقةَ التّوت الأخيرةَ
الّتي كانت تستر بعضا من عوراتهم الكثيرة. وأهدوْا للتّونسيّين، بعد انطفاء حماسة
"جبهة الإنقاذ"، دافعا آخر للإحباط والاكتئاب والعزوف عن الانخراط في
الشّأن العامّ. وهذه شروط ثلاثة رئيسة تمهّد السّبيلَ لإعادة إنتاج "دولة
الفساد والاستبداد" الّتي يُرجَّح أن تكون محصَّنةً هذه المرّةَ بحجاب ونقاب
وشرطة دينيّة تفتّش في الضّمائر من تحت السّتائر.
فوزيّة الشّطّي
هناك تعليق واحد:
عندما سلّم "النّداءُ" نفسَه لعُتاة التجمّع ولأفسد الفاسدين من أباطرة المال يكون بذلك قد انقلب على برنامجه السّياسيّ وعلى قواعده وعلى حلفائه وعلى المصلحة الوطنيّة.
مقاطعةُ النّداء" تماما كمقاطعة "الإخوان - الدّواعش" = واجب وطنيّ مقدّس.
إرسال تعليق