إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2020-01-26

كليلةُ ودمنةُ: مَن المسؤولُ عن هلاكِ الثّور؟

                    مَن المسؤولُ عن هلاكِ الثّور؟  
الحكاية الـمثليّة: 'كليلةُ ودمنةُ' لعبد الله بن المـقفّع
[نُشر في موقع: 'ديوانُ العربِ بتاريخ: 2020.01.27]
لقدْ هلكَ الثّورُ المسالِم 'شَتْربةُ' شرَّ هَلاكٍ. فمَن المسؤولُ الحقيقيُّ عن ارتكابِ تلك الجريمةِ النّكراء ضدَّ مَن لمْ يرتكبْ ذنبا أو خطيئةً؟
تَكمنُ أسبابُ نجاح الحيلةِ الغادرةِ الّتي دبّرها الدّاهيةُ دمنةُ، في الشّخصيّاتِ الرّئيسةِ الثّلاث. فدمنةُ والأسدُ والثّورُ يتقاسمون كُلُّهمْ مسؤوليّةَ ما حدثَ: جريمةُ قتلِ بريءٍ.
لَقد ألْفيْنا دمنةَ واسعَ العلمِ بليغَ الخِطاب بيِّنَ الحكمة. لكنّه وظّفَ هذه الكَفاءاتِ جميعَها في صناعةِ الشّرّ. إذ تمكّن بـمُنتهَى اليُسْر مِنْ أنْ يُقنعَ الأسدَ بأنّ صديقَه الثّورَ خائنٌ خؤُونٌ طامعٌ في الاسْتيلاءِ على العرْشِ عبرَ انقلابٍ عسكريّ دمويّ غادر. وبيُسْر أعظمَ قدِرَ دمنةُ أنْ يُقنعَ الثّورَ بأنّ الملكَ لا يُؤمَن شرُّه ولا تَدومُ عِشْرتُه ولا تُروَّضُ شَهوتُه إلى سفْكِ الدّماء حتّى لو كانتِ الفريسةُ صديقًا حمِيما.
أمّا الأسدُ، ملكُ البلادِ والعبادِ، فبدا عاجِزا عن انتقاءِ الحاشية المناسِبة. زِدْ على ذلك أنّه كانَ مُستبدّا برأيه. لقد اتّخذ قرارا مُتسرّعا حاسما بقتْل الثّورِ المتّهَمِ بالخيانة العُظمَى دونَ أنْ يَستشيرَ أحدا مِن ذوِي الحكمة والرّصانة. ثمّ إنّه حاكمٌ ظالِـمٌ لأنّه حَرمَ شتْربةَ حقَّه القانونـيَّ في محاكمةٍ عادلة يدافعُ فيها عن نفسه. فالأسدُ احتكرَ السّلطةَ القضائيّة كيْ يُزيحَ مُنافِسا مُحتمَلا. وتَجاهل، لتحقيقِ غايته تلك، أنّ المتّهمَ بريءٌ حتّى تثبُتَ إدانتُه. وعندما ثَبتَ لِلجميعِ أنّ الثّورَ ضحيّةُ وِشاية حاقِدة حاسِدة كان الأوانُ قد فاتَ.
أمّا شتربةُ فهو مسؤُولٌ أيضا عن الفخِّ المأساويّ الّذي وَقعَ فيه. إنّه حسَنُ الطّوِيّة، ساذَجُ الطّبْع، عدِيمُ الشّكّ. وليس مِن مَصلحةِ شخصٍ بهذه الخِصال الحمِيدةِ أن يُصادِقَ السّلطانَ. فقُصورُ الملوكِ كانتْ، وما تزالُ، أوكارا لحياكةِ المؤامراتِ الشّنيعة. وكثيرا ما يدفعُ فيها الأبْرياءُ ثـمنَ رِفْعَةِ أخلاقِهمْ ونزاهةِ آرائِهمْ وصِدقِ ولائِهم. وهكذا كان مصيرُ الثّور: لبـَّى المسكينُ دعوةَ الملكِ ليصيرَ الرّفيقَ المبجَّلَ والصّديقَ النّصُوحَ، ثمّ انتهَى فريسةً سهْلةً بين فكّيْ مَنْ سبَقَ أنْ مَنحَه عهْدَ أمانٍ خانَه عندَ أوّلِ وِشايةٍ.
تجلّى لنا، إذنْ، أنّ هلاكَ الثّورِ جريمةٌ سياسيّةٌ متعدّدةُ الفَواعلِ تَفْضَحُ عيوبَ الاستبدادِ بالرّأي وبالسّلطة معا. فالاستبدادُ السّياسيّ غالبا ما يسهّلُ على الفُسّادِ إنْجاحَ جرائمِهم الشّنيعة ومكائدِهم الفتّاكة.
فوزيّة الشّطّي
تونس: 2020.01.26



هناك تعليقان (2):

Faouzia Chatti فوزيّة الشّطّي يقول...

رابطُ المقال في موقع: ديوانُ العرب
https://www.diwanalarab.com/%D9%85%D9%8E%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84%D9%8F-%D8%B9%D9%86-%D9%87%D9%84%D8%A7%D9%83%D9%90-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%91%D9%88%D8%B1

Faouzia Chatti فوزيّة الشّطّي يقول...

أنجزتُ هذا العملَ في الأصل كإنتاج كتابيّ لمستوى الأولى ثانويّ. ثمّ أعجبني، فصيّرتُه مقالا نقديّا مختصَرا يعبّر عن قراءتي لجريمة قتلِ بريءٍ الّتي عرضها "بابُ الأسد والثّور" مِن الحكاية المثليّة "كليلةُ ودمنةُ".