إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2025-03-07

مقال: (رأيٌ في مسلسل معاوية)، تونس: 2025.3.03



رأيٌ في مسلسل معاوية

نُشر في جريدة: "صوت الشّعب العدد 67، يومَ: 2025.3.06

قرّرتْ أنظمةُ السّعوديّة والإمارات ومصر أن تَعرضَ مسلسلَ "معاوية" خلال رمضان 2025 عبر قنواتِ "أم. بي. سي" ومنصّةِ "شاهد". وها هي أهمُّ الملابسات الّتي تحفُّ بهذا العمل "الفنّيّ- التّاريخيّ- السّياسيّ":

1- المسلسلُ جاهزٌ منذ عاميْن. لكنْ أُجّل عرضُه لأسبابٍ غير معلَنة. وقد أنتجتْه المجموعةُ الإعلاميّة الضّخمة "أم.بي.سي" MBC الّتي إليها تنتمي القناتان المتصهينتان "العربيّة" و"الحدث". ويعلم القاصِي والدّاني كيف تعاملتْ هاتان القناتان مع طوفانِ الأقصى ومع حربِ الإبادة على غزّة ثمّ الضّفّة الغربيّة ومع حروبِ الإسناد في لبنان واليمن والعراق.

2- كانت الأنظمةُ السّعوديّة والإماراتيّة والمصريّة، وما تزال، سندا للكيانِ الشّيطانيّ وسيفا مسموما على محورِ المقاومة وعلى مَن يتضامن معها. والأدلّةُ كثيرة. أوّلُها أنّ الجسرَ البرّيّ الّذي أمّن حاجياتِ كيان الاحتلال طيلةَ الحرب على غزّة كان ينطلقُ مِن الإمارات مرورا بالسّعوديّة والأردن. ثانيها غلقُ معبر رفح في وجهِ غزّة لإحكامِ الحصار وإنجاحِ سياسة التّجويع وإجبارِ المجاهدين على الاستسلام. ثالثُها حبسُ المتضامنين مع المقاومة الفلسطينيّة لمجرّد التّظاهر السّلميّ.

3- يدّعي المسلسلُ أنّه يصوّر أحداثَ "الفتنةَ الكبرى" الّتي مثّلتْ جرحا غائرا في جسد أمّتنا المنكوبة ما زلنا نعاني ويلاته مِن انقسام وصدام وطائفيّة... وتوقيتُ عرضِه لا يمكن أن يكونَ بريئا. هو توقيتٌ تعيش فيه المقاومةُ، بفصائلِها الشّيعيّة والسّنّيّة واليساريّة والقوميّة، حصارا استعماريّا، غربيّا وعربيّا، ممنهَجا وخانقا يعمل على تقليمِ أظافرها بل على تصفيتِها نهائيّا عبر نزعِ سلاح المقاتلين ثمّ التّهجير القسريّ لجميع المواطنين. في هذا السّياق يأتي "معاوية" ليصبَّ الزّيتَ على النّار وينكأَ الجرحَ الطّائفيّ ويشقَّ صفوفَ المقاومة بأن يضربَ السّنّة بالشّيعة والشّيعةَ بالسّنّة. والمعلومُ أنّ عامّةَ النّاس الّذين لا يقرؤون التّاريخَ يتّخذون الأعمالَ الدّراميّة "مصدرا للمعرفة". إذنْ سيكون أثرُ المسلسل في الوعي الجماعيّ كارثيّا يصبُّ في مصلحةِ العدوّ دون سواه.

4- يتقنّع هذا العملُ بالفنّ الدّراميّ كيْ يزيدَ التّاريخَ تزويرا وكي يحقّقَ أهدافا سياسيّة تخريبيّة. وعندي يقينٌ بأنّ مَن أشرف على إنجازه أجانبُ وأنّ العربَ فيه كانوا مجرّدَ أدوات تنفيذ وتمويل تُؤمَر فتُطيع. إنّه لا يعالج الفتنةَ التّاريخيّة الّتي جدّتْ إثر مقتلِ الخليفة الرّاشديّ الثّالث "عثمان بن عفّان" عامَ 35ه/656م بين الخليفةِ الرّاشديّ الرّابع "عليّ بن أبي طالب" وبين والي الشّام "معاوية بن أبي سفيان". إنّـما يتفانى في إشعالِ فتنة طائفيّة معاصرة تأكل الأخضرَ واليابسَ وتشغلُ شعوبَنا، باستراتيجيّة الإلهاء، عن مقارعةِ المشروع الاستعماريّ الأشرس: "إسرائيل الكبرى" الّذي شرع يدكّ أسوارَنا منذ وعدِ بلفور عامَ 1917 ثمّ إعلانِ تأسيس القاعدة العسكريّة والمخابراتيّة للإمبرياليّة الغربيّة عامَ 1948.

5- أضعفُ الإيمان، إذنْ، أن يقاطعَ المشاهدون العربُ والمسلمون هذا المسلسلَ. فإنّ لم يقتنعوا بسلاحِ المقاطعة، عليهم أن يعرفوا ما تيسّر مِن خلفيّاته الخبيثة الّتي تَدسّ السّمّ في العسل. فهذا هو النّهجُ الّذي اتّبعتْه السّينما الهوليووديّة طيلةَ عقود لتستعمرَ العقولَ وتغسلَ الأدمغة وتعمّمَ "الفكرَ الرّعويّ" (نسبة إلى الرّعيّة) لدى الأمريكيّين ولدى شعوب العالم بما لها مِن براعة في انتقاءِ الصّورة ونسجِ الحبكة القصصيّة واستغلالِ نقاط الضّعف عند المستهلكين. بذلك صنّعتْ جمهورا منقادا ساذَجا هزيلَ الفكر النّقديّ خائرَ الحسّ الثّوريّ. والمفارقةُ أنّ "هوليوود" شُغّلتْ سلاحا فتّاكا بيدِ الإمبراطوريّة الأمريكيّة المتوحّدة ضدّ خصومِها وحلفائِها على السّواء. أمّا المجموعاتُ الإعلاميّة العربيّة المتخَمة بالمالِ الرّيعيّ فقد تجلّتْ سلاحا ضدّ المصالحِ العربيّة دون سواها.

فوزيّة الشّطّي، تونس: 2025.3.03

 

ليست هناك تعليقات: