إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2023-06-23

إلى المُغمَى عليها، (هجائيّة)، جوان 2023



  عدوَى القطيع، صورة مِن النّات

 إلى الـمُغْمَى عليها، جوان 2023 

أيّتُها الـمُغْمَى عليها الّتي بلا اسمٍ ولا صفة،

اِتّهمتِني، زورا وبهتانا ونفاقا وانخراطا في المؤامرةِ البيداغوجيّة، بأنّي «تطاولتُ عليكِ». ثمّ قرّرتِ فجأةً أن يُغمَى عليكِ، عسى أن تجعلي دورَ "الضّحيّة" الشّقيّة الغبيّة الدّنِيّة لا يليقُ إلاّ بك. وحتّى أمنحَ هذا الادّعاءَ الباطل الشّرعيّةَ الأخلاقيّة الّتي يحتاجُ، سأعلّمكِ بـما لذّ وطاب مِن بليغِ الكلام كيف يكون التّطاولُ على فصيلتِك، فصيلةِ سقْطِ الـمتاعِ الآدميّ.

1-  في قادمِ الأعوام، قبل أن تُسارِعي بالإغماء لإضفاء مَسْحةٍ دراميّة على المؤامراتِ المهنيّة الّتي تنخرطين فيها طائعةً ذليلةً مُنقادة، تعلّمِي أن تُتقنـي تمثيلَ الدّور جيّدا. فقد رأيتُ أنّ مستواكِ في التّمثيل لا يقلّ سُقْمًا ورداءَةً وضحالة عن مستواكِ العلميّ والمهنيّ. لا تتردّدِي في مراجعة أفلام الأسود والأبيض. بل احفظي مشهدَ «حَيُغْمَنْ عَلَيَّ» [مِن مسرحيّة عادل إمام: 'الواد سيّد الشّغّال'] عن ظهرِ قلب. فقد يحتاجُه مِنكِ أسيادُكِ في أيِّ حين.

2-  أنْ تكونِي خِلْوًا مِن رفيعِ الأخلاق فهذا أمرٌ لا يختلفُ فيه اثنان ولا تنتطحُ فيه عنزتان. فليس لديكِ مِن الـمبادئ إلاّ طاعةُ أولياءِ النّعمة الّذين مِنهم تقتاتين فقيرَ الغنائم وتتسوّلين نياشينَ الكفاءة. ولو اعترضتْكِ قضيّةٌ سامِية عادلة لأدرتِ لها ظهركِ، وأطلقتِ ساقيْكِ للرّيح مرعوبةً مفزوعة. ففي القذارةِ تنتعشين. وبالمكائدِ تتفتّقُ مواهبُك. وبين أحضانِ القطيع يَنتفشُ ريشُك الـمَنتوف أغلبُه.

3-  تكليفُكِ بتدريسِ برنامج ثريٍّ أدبيّا وعميقٍ حضاريّا هو جريمةٌ نكراءُ في حقِّ الـمُتعلِّمين. وانتخابُكِ لإصلاحِ المناظرة الوطنيّة هو جريمةٌ أنكرُ وأشنع في حقِّ الـمُترشّحين. فأنّى لتفكيركِ الأمِّيّ القَفْر الخلاء أن يستوعبَ ما خاضَ فيه التّلاميذُ مِن قضايا: "الإنّيّةِ والغيريّة" أو "الصّراعِ بين الكونيّة والخصوصيّة" أو "الاستيلابِ الحضاريّ" أو "النّظامِ العالميّ الجديد" أو "ثنائيّةِ المركز والهامش" أو "ازدواجيّةِ القيم" أو "الإمبرياليّةِ الثّقافيّة" أو "القضيّةِ الفلسطينيّة" أو "النّفاقِ الدّوليّ" أو "التّعايشِ الخادع"؟! وكيف لكِ أن تُجازي تلميذا على جرأتِه في التّعبير عن الموقفِ الشّخصيّ وأنتِ بلا موقفٍ أصْلا وفصْلا؟لقد حاسبتِ الـمُتميِّزين شرَّ حسابٍ على تميّزهم. وانتقمتِ منهم ثأرا لفيضِ عُقَدِك. وهكذا فعلَ عرفُكِ وعرّابُك: العِربيدُ البيداغوجيّ.

4-  لو تحقّقتِ العدالةُ على الوجهِ الأكمل لَوجب أن يُغمَى عليكِ إلى الأبد. فما نفعُ استفاقةِ أهل الإفْكِ والإثْم والفجور؟! وما جدوى غبائِهم السّريعِ العدوى العديمِ العلاج؟! إنّ معظَمَ النّار مِن مُستصغَر الشّرر. والثّمرةُ الفاسدة تجني على كَوْمةِ الثّمار السّليمة جنايةً لا يردُّها إلاّ البترُ أو الحرْق أو الدّفْن. هكذا أنتِ: منجمٌ للشّرّ والفساد، منجمٌ لا تنضُبُ خزائنُه.

5-  لفهمِ ما غَمُضَ عليكِ مِن هذه الـمَدْحيّةِ الهجائيّة المتواضِعة، لا تخجلي مِن طلبِ العون. ستجدين حتْما في عِرْبيدِكِ الدَّعيِّ الكذّاب الأشِر خيرَ شارحٍ. وثقي أنّي سأجودُ عليكِ وعلى رهْطِك بمثلِها وأكثر متى أدركتُ حاجتَكم النّفسيّة الـماسّة إلى التّأديبِ والتّشذيب وتقليم الأظافر وتقليع الأنياب.

ختاما، يا حريمَ السّلطان، هذه دفعةٌ أُولى على الحساب. علِّلي بها النّفسَ إلى أن يأتيَكِ فصلُ الجواب.

✿ فوزيّة الشّطّي 

✿ تونس: 2023.6.23 



لوحة 'الشّيطان' للرّسّام الإيطاليّ 'جوفاني غاسبارو'.

هناك تعليقان (2):

Faouzia Chatti فوزيّة الشّطّي يقول...

تُعتبَر الشّخصيّةُ المتهافتة مِن أخطر الشّخصيّات على باقي البشر. هذا لأنّ ضعفَها النّفسيّ والفكريّ يجعلها فريسةً سهلة بل عجينةً طيّعة لشياطين الإنس الّذين ينجحون في توجيهها ضدّ خصومهم وأعدائهم دون جهد كبير. هي المفعولٌ به المسيَّر حتّى وإنْ توهّمتْ أنّها الفاعلُ المخيَّر.

Faouzia Chatti فوزيّة الشّطّي يقول...

كثيرا ما تكون فصيلةُ العبيد شرّا مِن طبقة الأسياد. هذه مجرّدُ عيّنة عديمة القيمة فقيرة المواهب.