إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2020-11-08

شواهدُ على اللاّقانونِ واللاّمواطَنةِ

³ شواهدُ على اللاّقانون واللاّمواطَنة ³

أروِي، تأكيدا لغيابِ سُلطةِ القانونِ وتعطُّلِ قيمِ الـمُواطَنةِ، وقائعَ منوَّعةً متفاوِتةَ القيمةِ والدّلالةِ:

- حصَل تسرُّبُ غازٍ في محلٍّ أكْترِيه. فَتلكَّأتِ المالكةُ في إيقافِ الضَّرر وإصلاحِ العَطب. وطمأنتْنِي باعْتدادٍ وخُيَلاء قائلةً: «لا علَيكِ، 'عندِي شكُون' في شركةِ الكهرباء والغاز!». طمأنْتُها بدورِي كما يجبُ. إذ فسخْتُ عقدَ الكراء بشكلٍ قانونِيّ أحبطَها وأراحَ المسؤولَ مِن تقديمِ خدمةٍ وهميّةٍ. كان ادِّعاؤُها ذاك تَهديدًا مُبطَّنا بِما لها مِن نُفوذٍ، وما كانت تَنوِي أداءَ واجبِها تجاهِي حتّى لوِ انفجرَ الْمحلُّ بِمَن فِيه.

² (ملاحظة: "شْكُونْ": كلمةٌ في اللّهجةِ التّونسيّة تُؤدّي معانيَ عدّةً حسب السّياق. أهـمُّها: 'مَنْ؟'، 'شَخْصٌ مَّا'، 'شَخصِيَّةٌ مُتَنَفِّذَةٌ'..) ².

- بِمجرّدِ أن عُيِّنَ أحدُ مُديرِي المؤسّسات التّربويّة، كَلَّفَ بعضَ حُلفائِه بتروِيجِ الخبرِ الآتِي: إنّه مربوطٌ ربْطا مباشِرا عابرا لِكلّ الحواجز بِمسؤولٍ كبيرٍ في وزارةِ التّربية والتّكوين. لا يعْنينِي في هذا المقام صدقُ مضمونِ الخبرِ مِن كذِبه. يهمُّنِي أنّ ترويجَه ليس اعتباطِيّا ولا عفْويّا. فأسوأُ دلالاتِه الإيحائيّةِ أنّه تَهديدٌ لِكلِّ مَن تُسوِّل له نفسُه التّمردَ أوِ الخروجَ عن الصِّراطِ المستقِيم الّذي سَطّره السّيّدُ المديرُ. وأحسنُها على الإطلاقِ أنّه اعترافٌ جميلٌ بأنّ هذا الموظّفَ المؤتَمنَ على الحرَمِ التّربويِّ تعُوزُه الكفاءةُ المهنيّةُ الّتِي يستطيعُ بِها ملْءَ منصبِه. فهرَعَ إلى الاِتّكاءِ على 'شكُون' لِيغطّيَ عجزًا متأصِّلاً يُدركُه هو أكثرَ مِن أيٍّ كانَ. وهذا التّرويجُ يُشبه الضّربةَ الوِقائيّةَ الّتي برعَ فيها 'شُرطِيُّ العالَمِ' [كنيةُ الولايات المتّحدة الأمريكيّة].

- رَوتْ لنا زميلة ٌ مربِّيةٌ أنّها ساقتْ سيّارتَها بسُرعةِ البرقِ داخلَ مناطقِ العُمران حيثُ حُدِّدتِ السُّرعةُ القُصوَى بِـ 50 كيلومترا في السّاعةِ. أشارتْ لها شرطةُ المرورِ بالتّوقّفِ. فلمْ تأتَمِرْ تحدِّيا واستِهانةً واعتدادًا بالنّفس. فلاحقتْها سيّارةُ الشّرطةِ بضعَ كيلومتراتٍ حتّى أجبرتْها على التّوقّف، وسَحبتْ منها رخصةَ السِّياقةِ. قالتْ مُحدِّثتُنا: «أُراهنُكمْ على أنْ أَسترجعَ رخصتِي خلالَ يوميْن، 'عندِي شْكُونْ' في الدّاخليّة». وربِحتِ الرّهانَ بلا منازعٍ. شدّتْنِي في هذه الواقعةِ المستعادَةِ يوميّا لهجةُ الخِطاب المشحُونةُ باستعراضِ 'العضلاتِ السُّلطويّة'. هي لهجةٌ تجعل التّطاولَ على القانونِ وعلى مُنفّذِيهِ وتعريضَ سلامَةِ النّاسِ للخطرِ فخْرا صريحًا يكشِفُ مدَى تضخُّمِ 'الأنَا غيرِ المواطِنةِ'.

- تُصدِّقُ الوقائِعُ هذه العبارةَ وتُضفِي عليها شرعيّةً لا يُستهانُ بِها. يكفِي أنْ أذكرَ أنَّ الشّكاوِيَ الّتي يُقدِّمها الإطارُ التّربويّ مثلاً لا تتجاوزُ في تَقْديرِي المتواضِعِ العَشْرةَ بالمئةِ [10٪] مِن العددِ الحقيقيّ للتّجاوزات والاعتداءات الواقعةِ ضِدَّه. مِن هذه النّسبةِ الضّعيفةِ أصلاً لا يكادُ القانونُ ينظرُ نِظرةً فعليّةً إلاّ في عُشُرها. بل يحدُثُ أنْ يُهدَّدَ الشّاكِي بتسليطِ نفسِ العُقوبةِ عليه وعلى خصمِه إنْ لم يسحبْ تقريرَهُ ولم يُدركْ سريعًا أنّ الشّكوَى لله لا لِلبشرِ.

- في إحدى الْمحاكمِ الابتدائيّة حدّثنِي، بنَفَسٍ عَدَمِيٍّ، مواطِنٌ أمِّيٌّ معدَمٌ مُهمَّشٌ عن المذنِبين الّذين تقودُهم الشّرطةُ بعد مطارداتٍ مُرهِقةٍ إلى قاعةِ المحكمة عبرَ البابِ الرئيسيِّ، وإذا بِهِمْ يغادرونَها بقدرةِ قادرٍ مِن الأبواب الخلفيّةِ لنفس المحكمةِ. يكفِي أن يرِنَّ الهاتفُ لتحصُلَ المعجزةُ. ربّما يكونُ هذا دليلاً على أنّ بعضَ المؤسَّساتِ القضائيّةِ تعُبُّ عبًّا مِن وسائلِ الاتّصالِ الحديثة.

- تعرّضتْ مواطِنةٌ إلى الاعتداءِ بالعنفِ اللّفظيّ والتّهديدِ باستعمال العنفِ البدنِيّ في نُزلٍ محترَمٍ. أمّا المعتدِي فهو قاضٍ. تتلخّصُ الحادثةُ في أنّ القاضيَ اعتادَ أنْ يُقضِّيَ ليلتيْن أسبوعيّا في النّزلِ المذكور. وفي الصّباحِ يسلِّمُ مفتاحَ الغرفةِ الّتي دأبَ على النّومِ فيها إلى قسْمِ الاستقبال. هكذا تصيرُ الغرفةُ على ذِمّة أيِّ وافدٍ جديدٍ. حلّتْ بالنُّزل حريفةٌ تعوّدتْ هي أيضا قضاءَ ليلةٍ مِن كلِّ أسبوعٍ هناك لأسبابٍ مِهنيّة. فسلّمَها موظّفُ الاستقبالِ مفتاحَ تلك الغرفةِ الشّاغرةِ. لكنْ عاد القاضِي ليلاً إلى النّزل دون سابقِ إعلامٍ لِيبيتَ ليلةً أخرى. وطلبَ بِحزْمِ رجُلِ القانون أنْ تعودَ إليه 'غرفتُه' في الحينِ وأنْ يتمّ ترحيلُ المواطنةِ وهي بلباس النّوم إلى غرفةٍ أخرى. تردّد موظفُ الاستقبال لأنّ الأمرَ لا يَجوزُ قانونيّا وأخلاقيّا. فأرغَى القاضِي وأزبدَ وهدّد وتوعّد. رضَخَ الموظّفُ مُرتعِدا، وقصدَ غرفةَ النّزيلة يطلبُ منها تنفيذَ الحكمِ الصّادرِ ضدَّها. فرفضتْ رفضًا قاطعا كما يجدرُ بأيِّ مواطنٍ يحترمُ نفسَه أنْ يفعلَ. ولا تَسَلْ عن رَدّةِ فعلِ قاضِي القُضاة هذا: انْهالَ على النّزيلة قذْفًا وسبًّا وثلبًا، وبدا زادُه اللّغوِيُّ في هذا البابِ أغنَى مِن كلِّ قذاراتِ الشّارع التّونسيّ. حتّى مفاتيحُ القاضِي خرجتْ مِن غِمدها وصفعَتْ وجهَ المديرِ الإداريّ الذي تحرّكتْ فيه نَخوةٌ مّا مُحاولاً الخروجَ بأخفِّ الأضرار. ولو أطلقَ سيّدِي القاضِي العِنانَ لحذائِه لكسَرَ زُجاجَ وزارةِ العدل وداسَ حُقوقَ الإنسانِ فصلاً فصلاً بِلا رادِعٍ ودون أن يدفعَ خطيّة تخريبِ الْمِلك العامّ.

- إلى هنا الأمرُ عاديٌّ  مألوفٌ لا يفاجِئُ أحدًا تقريبا. فمتَى تبدأ الكارثةُ الحقيقيّة؟ بدأتْ حسْبَ رأيِي عندما انقلبَ جميعُ الموظّفين والعمَلةِ ضدَّ النّزيلةِ كاسِحةِ الرّأس ليُنقذُوا رؤوسَهم مِن احتمالِ تُهمةٍ مُلفَّقةٍ تُلقِي بِهم في غَياهِبِ السّجون، عندما فعلَ التّرهِيبُ فِعلَه المدمِّرَ فيهِمْ حتّى هَتكَ الذِّمامَ وجمّدَ الهِممَ، عندما جاءتِ الشُّرطةُ مُرتبِكةً على وجهِ السّرعة لتؤيِّدَ القاضيَ في استرجاعِ الغُرفةِ موضوعِ النّزاع.

- هذا المعتدِي قد تطاولَ أوّلا وقبلَ كلّ شيءٍ على القانون الّذي يعلُو ولا يُعلَى عليه مِن حيثُ المبدأُ على الأقلّ، وتطاولَ بالقانون على النّزل بكلِّ مَن فيه، وتطاولَ على أهلِ القانون بانتمائِه الْمُخزِي إليهِم. والنّتيجةُ أنّه تطاولَ على قِيمِ المواطَنةِ جميعِها، وهذا أهمُّ ما يعنِينا الآنَ. لسنا بِحاجةٍ إلى أنْ نُحصيَ كمْ مرّةً خانَ هذا القاضِي قسَمَه: كمْ مُجرِما خَرج مِن بين يديْه 'مُدانًا بالبراءَةِ' وكمْ بريئا أحْكمَ قبضتَه عليه 'بتُهمةِ اللاّذنْبِ'.

- فِي السّوقِ المركزيّة تفطّنتُ إلى أنّ بائعَ السّمك غشّ البضاعةَ الّتي طلبتُ أثناء وزْنِها. فامتنعتُ عنِ الشّراء. هاجَ الغشّاشُ وماجَ. ثُمّ قال بأعلى صوته ليُسمِعَ الزّملاءَ والحرفاءَ: «لستُ أجيرا عندَكِ». ولم أفهمْ إلى الآن صلةَ هذا القولِ بالحادثةِ، وإنْ كنتُ أتفهّمُ رغبةَ البائعِ في أنْ يُثبتَ أنْ لا سُلطةَ لِي عليه أمنعُه بِها مِن أنْ يغُشّنِي. وربّما صارتِ العبارةُ الجاهزةُ مِن قبيلِ اللّوازمِ اللّغويّةِ الّتي يَزِلُّ بِها اللّسانُ عنْ غيرِ قصدٍ وفي غيرِ مقامِها.

- في مِهنتِنا الشّقيّةِ تَمتنعُ قيِّمةٌ مّا عن أداءِ واجبها المهنِيّ تجاهَ تلاميذِي. فأجمعُهم بنفسِي مِن السّاحة بينما تؤدِّي هي دورَ المراقِبِ المتواكِلِ المتشفِّي. تفعلُ هذا لِتُثبتَ لي أنّها ليستْ أجيرةً عندي، كما لو أنّها تشكُّ في الأمرِ. ويرفض قيّمٌ مّا أنْ يُعلمَ تلاميذِي بمدّة غيابِي الّتي أعلمتُ بِها الإدارةَ في الثّامنةِ صباحًا مِن أوّل يومِ غيابٍ، تارِكا إيّاهم ينتظرون الأيّامَ الطِّوالَ هدرًا، عسَى أنْ يُقنعَهم بأنّ أستاذتَهم لا تَحترِمُهم ولا تراعِي شقاءَهم، وعسَى أنْ يُقنعنِي بِما لا يدَعُ مجالاً للشّكِّ بأنّه ليس أجيرا عندِي. والدّليلُ القاطِعُ أنّه يعبثُ بالواجبِ الأخلاقيّ كيفمَا شاءتْ عُقَدُهُ. في المقابل يخدِشُ مديرٌ مّا هيْبتِي ويتلاعبُ بكلِّ عقوبةٍ أقترحُها فاتِحا بابَ العبثِ التّربويِّ والعنفِ التّلمذِيِّ على مِصراعيْه. يتفنّنُ في هذا باقتدارٍ لا نظيرَ له، ربّما ليُثبتَ لي أنّنِي أنا الأجيرةُ عندَه! فمَن يدرِي قد أركعُ وقتَها خاشِعةً عند قدميْه مبتهِلةً بالدّمعِ السّخيّ: «رُحْماك! لا سيّدَ في الأرضِ سِوَاك».

- في المقابل يُعدُّ تطبيقُ القانونِ إهانةً لا يستسِيغُها المعتدِي لِمُجرّدِ أنّ الشّاكِيَ المتضرِّرَ أقلُّ مِنه مرتبةً. فقدْ حكَى لي جنرالٌ بألَمٍ كبير، أنّه أُحِيلَ على الْمحكمةِ العسكرِيَّةِ بتُهمةِ الاعتداءِ اللّفظيّ والبدنِيّ على أحدِ المواطنين. قال مُستنكِرا: «تصوَّرِي! أنا الجنرالَ بكلِّ ما عندِي مِن 'نُجوم' أقفُ في قفصِ الاتّهام أمام القاضِي العسكريّ بسبب مُدّعٍ عجوزٍ جِلفٍ لا يعرفُ حتّى كتابةَ اسْمِه!». صحتُ مُهلِّلةً دون أيِّ سوءِ نيّة: «يا لَلرّوعةِ! هذا دليلٌ على وجودِ العدلِ». سكتَ محُدِّثِي عنِ الكلام المباحِ. صدمَه اسْتحسانِي الأمرَ بقدْرِ ما صدَمنِي استهجانُه إيّاه. أعتقدُ أنّه لو كانَ الشّاكي الأمينَ العامَّ للأممِ المتّحدةِ مثلاً لَقبِل المتّهَمُ أنْ يُحاكَم بصَدرٍ رحْبٍ، وربّما عَدّ الأمْرَ تكريمًا وتوسِيمًا. أمّا أنْ يُقاضِيَه مَن هو أقلُّ شأنًا مِنه فلاَ. هذا دليلٌ على أنّ نِظرتَنا إلى القانون ما تزالُ طَبقيّةً رغم ما تُلحُّ عليه النّصوصُ القانونيّةُ مِن المساواة بين كلِّ المواطنين.

- حدثَ معِي أنّ أحدَ أعضاءِ 'المافيا' أغراهُ حجمُ كتابٍ طلبتُ نسخَه، فبعثَ إليّ باحثةً مشبوهةً تنصحنِي بالتّعاونِ المثمرِ. رفضتُ، واتّبعْتُ الإجراءاتِ الإداريّةَ اللاّزمةَ. كانتِ النّتيجةُ أنِ انتظرتُ النّسخةَ المدفوعةَ الثّمنِ مسبّقا أربعةَ أسابيع بلا جدوَى، والحالُ أنّ عددَ صفحاتِ الكتابِ تَسمحُ بنَسخِه قانونيّا في ثلاثةِ أيّامٍ. وإذا بالكتابِ يندثرُ ولا يُعثَر له على أثرٍ، لَمْ يصلْ إلى مصلحةِ النّسخِ ولَم يعُدْ إلى موقعِه مِن الرُّفِّ. فتدخلتْ مسؤولةٌ، وأمَرتْ أنْ يخرجَ الكتابُ ولوْ مِن باطنِ الأرضِ. انطلقتْ حَمْلةُ التّفتيشِ. وأخيرا ظهرَ المبحوثُ عنه بعدَ أنْ مُزِّق غلافُه الخارجيُّ بفِعلِ فاعلٍ للإيهامِ بأنّه يحتاجُ التّرميمَ مع أنِّي تسلّمتُه ثُمّ سلّمتُه سليمًا مُعافًى.

- يُؤدِّي الفراغُ القانونِيُّ أيضا إلى ارْتكابِ العنفِ المعنوِيِّ المتستِّرِ بأداءِ الواجبِ المهنِيِّ. أضرِبُ على هذا مِثالا عِشتُه: اقتحمَ قاعةَ درسِي موظّفٌ إداريٌّ لِيجْمعَ أموالَ الدّروسِ الخصوصيّةِ لمادّةٍ أخرَى لا صلةَ لِي بِها. ولأنّه قرّرَ تنفيذَ الأمْرِ قبلَ إنجازِ الحصّةِ الأخِيرة مِن تلك الدّروسِ، فقدْ وَجدَ أنّ أغلبَ التّلاميذِ لم يجلبُوا المبلغَ معهم. لَم يتردَّدْ في إقصاءِ ثُلثيْ القسمِ مِن درسِ إصلاحِ الفرضِ العاديِّ مع الرّابعة آداب. اتَّخذَ العقوبةَ الجماعيّةَ الممنوعةَ قانونًا دون أن يَستأذِننِي. وغادرَنا مُعزِّيا النّفسَ بنَزْرٍ يسيرٍ مِن المال. استدعيتُ السّيّدَ المدِيرَ، فأعاد جَمْعَ التّلاميذِ مِن السّاحة. ثُمّ استأنفتُ الدّرسَ الْمُجزّأَ الْمُهانَ بعْد ضياعِ حواليْ عشرين دقيقةً مِن توقيتِه الرّسْميّ. إنّي لَأعجبُ مِن مهارةِ بعض الإداريّين في جمعِ المالِ بقدرِ ما أعجبُ مِن استهتارِهم بالواجباتِ المهنيّةِ الحقيقيّةِ!

- لقد رأيتُ بأمِّ عينِي مطلبَ مُناقلتِي الّذي تتوفّرُ فيه كلُّ الشّروطِ القانونيّة، على طاولةِ موظّفٍ صغيرٍ بإحدَى الإدارات الجهويّةِ الدّاخليّةِ بعد ثلاثةِ أشهُرٍ وبضعةِ أيّامٍ مِن تاريخِ تقدِيمه. أُؤتُمِن ذاك الموظّفُ على صيانةِ مطلبِي مِن الهواءِ والعيونِ المتطفِّلةِ والأيادِي العابثةِ. فأخفاهُ عنْ أصحابِ القَرارِ عامّةً. يكمنُ السّرُّ في أنّ مُديرِي المباشرَ أقسَمَ مُتحدِّثا عنّي: «سأجعلُها تَمُوتُ هُنَا!». فاتَهُ أنْ يختارَ مكانَ مولدِي، فارْتأَى أنْ يُعوِّضَ النّقصَ الحاصلَ بتأمُّلِ جثّتِي المتحلِّلةِ.

- لقد تطوّرتْ كلُّ المعارفِ والعلومِ والخدماتِ بتخطئةِ مُصادراتِها والطّعنِ في نتائِجِها. ولا أظنّ أنّ أيَّ إدارةٍ تخرجُ عن هذا المبدإ العِلميِّ-الاجتماعيِّ. فهل سَتراجعُ السّلطةُ الإداريّةُ مُصادراتِها المتهافِتةَ؟ وهل سيجدُ القَانونُ طَريقَه إلى التّطْبيقِ في قادمِ السّنَوات؟ أخْشَى أنْ أقولَ في مُقبلِ القرونِ كيْ لا أُحبِطَ عزائمِي ولا أُرْمَى بالتّهافُتِ والتّشاؤمِ والسّوْداويّة.

³ فوزيّة الشّطّي ³

تونس: 2011.09.18

w العدميّةُ: «تدلّ على موقفٍ في الفكرِ والفلسفةِ وتطبيقِ العمل. والعدمِيّون هم أولئك الثّوارُ الرّوسُ الّذين ظهروا إبّانَ حكمِ القيصرِ 'ألكسندر الثّاني' [1855-1881]. راجتْ تسميتُهم على يدِ الرّوائي 'تورجنيف' في قصّتِه «الآباءُ والبنونُ». فصارتْ تعني أولئك الّذين لا يُوافقون على شيءٍ ينتمي إلى النّظامِ القائم. وأخذُوا منذ 1878 في شنِّ حملةٍ إرهابيّة بلغتْ ذروتَها بمقتلِ القيصر». عن: موسوعةُ السّياسة، عبد الوهاب الكيّالي، جزء 4، ط 2، 1990، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر.


مدينةُ المنستير، الجمهوريّة التّونسيّة

عدسة: فوزيّة الشّطّي

ليست هناك تعليقات: