إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2021-10-10

تفسيرُ قولةِ أفلاطون عن الحقّ

± تفسيرُ قولةِ أفلاطون عن الحقّ ±

نسعَى إلى تفسيرِ قولةِ الفيلسوف اليونانيّ القديم 'أفلاطون' الّذي عاش بين القرنيْن الرّابعِ والخامسِ قبل الميلاد [4 و5 ق.م]، وهي «إِنَّ الحَقَّ لَـمْ يُصِبْهُ النَّاسُ فِي كُلِّ وُجُوهِهِ، بَلْ أَصَابَ مِنْهُ كُلُّ إِنْسَانٍ جِهَةً». فماذا يعني بهذه الحكمة؟

يُثبت هذا الفيلسوفُ أنّ الحقيقةَ العلميّةَ الكاملةَ الشّاملةَ لا يمكن لأيٍّ كان أنْ يُدركَها. والتّاريخُ الإنسانيّ شاهدٌ على صحّةِ ذلك. فالحقيقةُ تُدرَك جزئيّا بفضلِ تراكُمِ الاكتشافاتِ والاختراعات والأحداث على مدى العصور. إذْ يستفيدُ كلُّ باحثٍ عن الحقيقةِ في ميادينِ العلم أو التّاريخ أو الدّين أو الأدب أو الفنّ أو غير ذلك، مِن تجاربِ السّابقين والمعاصرين. ثمّ إنّ 'أفلاطون' يُقرّ بأنّ البشريّةَ قد حصّلتْ، بشكلٍ مُقسَّم ومُشتَّت ومُوزَّع، بعضَ مكوّناتِ هذه الحقيقةِ المبحوثِ عنها منذ الأزلِ وإلى الأبدِ. فهو يؤمنُ بأنّ لكلِّ إنسانٍ، أيّا يكنْ انتماؤُه الجغرافيّ والزّمنيّ والعِرقيّ والعقَديّ واللّغويّ، كفاءةً عقليّةً تؤهّله ليستخلصَ ما أمكنَ مِن فيضِ الحقيقة الغائبة عنّا إلى الآن. إذنْ، وجوهُ الحقيقةِ كثيرةٌ ومتشعّبةٌ ومتشابكةٌ تستعصِي على مَن يطلبُها دفعةً واحدة. فهي كالبحر الّذي لا يُـحيطُ به فردٌ أو شعبٌ أو حضارةٌ. إنّما يصيبُ كلُّ واحد قطرةً مِن مياهِه الزّاخرة. وبذلك يساهم في تعبيدِ الطّريق لِـمَن يأتي بعدَه مِن الطّامحين إلى لذّةِ المعرفة اليقينيّة حتّى وهي جزئيّةٌ ونسبيّةٌ.

رغمَ الفاصلِ الزّمنيّ الكبير بيننا وبين عصرِ 'أفلاطون'، فإنّ قولتَه الفلسفيّةَ الخالدةَ هذه ما تزالُ معبِّرةً عن واقعِنا اليومَ. إذْ يستمرّ سعيُ الإنسانيّةِ الحثيثُ نحو بلوغِ الحقيقة الكاملة الّتي نريدُها أن تُطفئَ فينا حُرقةَ الشّكّ وتَـمنحَنا بردَ اليقينِ.

فوزيّة الشّطّي

± تونس: 2021.10.10 ±

  


ليست هناك تعليقات: