إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2011-12-19

مقال: رُبّ ضارّةٍ نافعةٌ


رُبّ ضارّةٍ نافعةٌ
[نُشِر في مجلّة 'الوطنُ العربيُّ'، العدد: 1362، بتاريخ: 2003.04.11]
أُولَى النّتائجِ الحتميّةِ لهذا العُدوانِ الأمريكيّ  البريطانِيّ على العراقِ هي فتحُ الأبواب مُشْرَعةً أمام «قانون الغاب» على النِّطاقِ الدَّولِيّ الواسع. لكنْ هذا الاحتضارُ الْمُخجِلُ لِحقوق الإنسانِ و للقانون الدَّولِيّ قد خلقَ لدى شُعوبِ العالَم وعْيا عمِيقا ما كانتْ عقودٌ مِن التّوعية النِّظاميّة لتُحقِّقه.

ها هي الشّعوبُ تُعلِن أنّ أقنِعةَ «إرهابِ الدّولة» الّتي تفنَّنتِ 'الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّة' وحليفاتُها في تشْكيلِها قد سقطَتْ جميعا، وأنّ تغطيةَ المصالح الاقتصاديّة الجشِعةِ بِوهْم نشرِ الدّيموقراطيّة مِن قِبل مَن يفتقِدونَها على أرضهم قد انكشَفتْ بما يُشبِه المهزلةَ، وأنّ العُقدَ التّاريخيّة لِـ «رُعاةِ البقرِ» الحالِمين دوْما باحتلالِ العالَم أرضا وفضاءً قد باتتْ مِن المسلَّمات عند رجلِ الشّارع البسيط. وكانتِ الشِّعاراتُ واللاّفِتاتُ الرَّمزِيّة مِنها خاصّةً أرقَى تجسيدٍ لهذا الوعْي غيرِ المسبُوق وغيرِ المتوقَّع. لهذا اضْطُرّ قادةُ العُدوانِ إلى فضْح نواياهم بتسارُعٍ مُفاجِئ. فمِن نزْعِ أسلحةِ الدّمار الشّامل بالقوّة قفزُوا إلى مُطالبةِ الرّئيسِ العراقيّ بالتّخلِّي عن السُّلطة تجنُّبا للحرب. ومِن هذه قفزُوا قفزا عجِيبا إلى قرارِ «غزو» العراق حتّى وإنْ لبَّى رئيسُه الطّلبَ وغادر إلى المنفَى.. وليس لهذه القائمةِ مِن النّوايا الْمُبيَّتة والْمُعلَنة حدٌّ يقبله الحسُّ الإنسانِيّ المطلَق ولا العقلُ السّياسيّ المعتدِل ولا حتّى المصلحةُ العامّة.

جميلٌ أن تقومَ «القطيعةُ» بين قادةِ العُدوان الخارجِين عن القانونِ وبين الأغلبيّة الغالِبة مِن شعُوبهم. وجميلٌ أن تتحرّرَ وسائلُ الإعلامِ العالميّة ولو نِسبيّا مِن «جماعاتِ ضغطٍ» وظّفتْها طويلا لذرِّ الرّمادِ على العيون وعلى البصائر. وجميلٌ أن تتصادمَ مصالِحُ الغربِ فيما بينها ولو وقتيّا مِـمّا يُزعزِع تكتُّلَ الأقوياءِ جميعِهم ضدّ الضُّعفاءِ بما هُم عليه مِن تشتُّتٍ وتناحُر وضِيقِ أُفقٍ. لكنْ الأجملُ مِن هذا وغيره أنْ نعرفَ، نحن العربَ والمسلمِين المعتَبرين «مُعادِلا موضُوعيّا» للإرهابِ، كيف نستغِلّ لِصالحنا هذه «السّقطةَ التّاريخيّة» الّتي أوْقعَ فيها المعتدُون أنفسَهم. فالمؤامرةُ أبشَعُ مِمّا قد بانَ، والآتِي أعظمُ مِن الحاصِل. إنّ علينا أن نجعل المضرّةَ، على مرارتِها، منفعةً مّا. فكيف السّبيلُ؟! وأين السّبيل؟! ومتى السّبيل؟!

فوزيّـة الشّـطّي
تونس: 2003.04.01


ليست هناك تعليقات: