«سقَط
القِنـاعُ»
[نُشِر في مجلّة 'الوطنُ العربيُّ'، العدد: 1205، بتاريخ: 2000.04.07]
كثيرا ما
تبرّجتْ هذه الحسناءُ الفاتِنةُ. فأثارتْ شهْوةَ الـمَحرومِين، واستَوطنتْ
أفئِدةَ الـمُعدَمِين، وعمّرتْ أحلامَ الجائعِين. كثيرا ما خاطتْ لها مِن
تأمِينِ سلامةِ الإنسان رِداءً يقِيها برْدَ الانفِضاحِ. ومِن ضمانِ طلاقةِ
الفكْر أقامتْ لها خيمةً تَكفُّ عنها هجِيرَ العُريِ. ومِن نُصْرةِ الحقِّ
المهزوم عجنتْ خبزا يسُدّ خلَّتَها ويسُدُّ أفواهَ الـمُستائين. وإذ سقط
القِناعُ المسنودُ بالقِناع... أرسلتْ آفةُ العصر هذِي سُـمومَها كفوْهَةِ
بركانٍ قبِيح.
لن
أعنِيَ هنا غيرَ «الدّيموقراطيّة» بالمفهومِ الّذي أراده لها «النّظامُ العالميُّ الْـحَديد» [بالحاء لا بالجيم]. فهي صنيعةُ يديْه الآثِـمتيْن. به تَـمدُّ
مخالبَها حيث شاءتْ، ومنها يستَمدُّ شرعيّتَه متى أعوزَه الأمرُ.
وهكذا،
أرى 'دالَها' (د) دَجَلا. فهي لا تعنِي مِـمّا تقول إلاّ ما
تُريد أن تفعلَ. أمّا 'ياؤُها' (ي) فيأسٌ عميقُ الغَوْرِ مِن أنْسنَةِ هذا الوجودِ
البشريّ الـمُتداعِي. وتَتبدّى 'ميمُها' (م) مُؤامرةً ضِدّ تسعةِ أعشارِ البشَر كرّستْها
شِلّةٌ مِن السّاديِّين. وتتمطَّى 'واوُها' (و) وعِيدا لكلِّ
خارجٍ عنِ الطّوْق الـمَرسُوم بالنّار والحديد. في حين تتربّعُ 'قافُها' (ق) قمْعا جميلَ القَسَماتِ لشرْقِ الأرضِ وجنُوبِها. وتتبَخترُ
'راؤُها' (ر) إذْ تُرِي مِن نفسِها الوجهَ الّذي يُحِبّ الآخرون
أن يَرَوْه. أمّا 'ألِفُها' (ا) فتتصَدّرُ العرشَ أُكذوبةً سُرعانَ ما صدّقتْ
ذاتَها لِفرطِ ما صدّقها الـمُغفَّلون. ولا تتضايقُ 'طاؤُها' (ط) مِن أن تتشكَّل طُغيانا بشِعَ السُّحنةِ
صريحَ النّبرةِ لا يَـحدُّه حدٌّ ولا يُوقِفه نِدٌّ. وبذا تتبدّى 'ياؤُها' الأخرى (ي) يَبابا مِن قِيَم الحقِّ والعدْلِ والخيْر. وتُقفِلُ 'تاؤُها' (ة) هذا العِقدَ الفريدَ لِكونِها تدلِيسا لِلحقُوقِ
الشّرعيّة لِمَن نال الضُّعفُ منه وتكريسا لا ضابِطَ له لِمنطقِ القُوّة الغاشِـمة!
إنّي لا
أتردّدُ في الجزْمِ بأنّ واضعِي هذه «الأسطورةِ المقنَّعة» مِن الإغريق إلى مُعاصِرينا لَوْ علِمُوا
كَمْ مِن الجرائِم ارْتُكِبتْ تحت رايتِها وأدركُوا كَمِ استفادَ مِنها أعداؤُهم
وأعداؤُها لَدمّرهم تَبكيتُ الضّميرِ ولَردّدُوا مع 'محمود درويش' في صلاةِ
المغفرة «سَقَطَ القِنَاعُ»...
[الآنسةُ: فوز] = فوزيّـة الشّـطّي
تونس: 2000.02.28
|
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
2011-12-19
مقال: سقطَ القناعُ
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق