الأمنُ: أوّلا و أخِيرا
هو قبل الخبزِ، قبل الدّواءِ الشّافي، قبل الحرّيّـةِ المقبُورة و الكرامةِ المهدُورة. «الأمنُ» كلمةُ حقٍّ، لكن أُريد بها كلُّ شيء عدا الحقَّ. التّنصّتُ على هواتف المواطنين، إدانةُ الاحتجاجات، تجريمُ الاعتصامات، تقليمُ أظافر "الأنترنات"... سبلٌ لتحقيق الأمن المنشود في تونس - ما بعد "الثّورة".
اِعتصِموا قدرَ ما شئتم، لكنْ بحبلِ اللّه الّذي قبضْنا طرفيْه و تركنا لكم الباقي وَقُودا للمشانِق. اِعتصِموا حيثما شئتُم شرطَ أن تلتحُوا و تتبرقعْن، فالجامعاتُ لكمْ مِلكٌ مَشاع، و أنتم لنا يدٌ صَنَاع. اِحتجُّوا صباحَ مساءَ و أيّامَ العُطل و الأعياد، لكن ضدَّ جماليّةِ الفنّ و حرّيّةِ التّعبير و عُلويّةِ القانون، ضدَّ «الأقلّـيّةِ الضّالّة» داخلَ المجلس و «الأغلبيّةِ الضّالّة» خارجَه. مطبخُ «الدّاخليّة» مازال يُنتج نفسَ الأطباق بنفس البَهارات، فالذّائقةُ ما انفكّتْ على حالها زَيْنا و شَيْنا. أمّا البوليسُ السّياسيّ المفكوكُ البراغِي فقد حُلّتْ عُقدتُه و اتّسعتْ رقعتُه و قوِيتْ مِنعتُه. إنْ تنمّرتُم علينا رمَيناكم بحجارةٍ من سِجِّيل، صَليْناكم بالجريمةِ المنظَّمة المدفوعةِ الأجر الّتي لن يتلبّسَ بأبطالِها الجرمُ المشهودُ، أهْدَرنا دمَ أحلامِكم الجمْعِيّة كما يُذبِّح «سفّاحُو الخليج» الغزلانَ في جنوبِنا المستَباح بِمُباركة الرُّعاة الرّاشِدين. قائمةُ الممنوعات أطولُ مِمّا تتَّسعُ له صدورُنا الضّـيِّقةُ ذَرْعا بانفلاتِكم الثّوريِّ المزمِن الّذي سيَتكفّل الإرثُ الأمنِيّ التّلِيد بمصاريفِ علاجِه على الوجهِ الأكمل.
نعمْ، ما يحدث لا يُمكن قبولُه تحت شعارِ الثّورة. فلا ثورةَ إلاّ تلك الّتي طلَّقتْنا بالثّلاثِ مِن السّجون و المنافي و الإقامة الجبريّة. نعمْ، الدّيموقراطيّةُ لا تعني الانفلاتَ الأمنِيّ. معناها الأوحدُ هو وصولُنا إلى الحكمِ المؤبَّد عبرَ الصّناديق النّزيهة الشّفّافة لم يجدْ إليها الباطِلُ مَنفذا. ما سوى ذلك فوضى غيرُ خلاّقةٍ لا تفضُل في شيءٍ الفوضى الأمريكيّةَ على الأرضِ العراقيّة.
فوزيّـة الشّـطّي
تونس: 2011.12.31
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق