سيّدي الرّئيس الأسبق
[نُشر في جريدة "الموقف": 2011.04.09]
[نُشر في جريدة "الموقف": 2011.04.09]
كذا أسمّيكَ لأنّي ما اعتدتُ دوسَ الجثث ولا أطربنِي
غرسُ خنجري العفيف في من أثخنته الجراحُ. لغتِي أنوف على قسوتها. ولغتك، كما لا
شكّ تدري، قاسية بلا أنفة.
بعد أن نفضتَ عنك غبار السّفر وأنختَ
بعيرك المجنِّح أناشدُك أن تنظرَ في المرايا المعتِمة مليّا. علّك ترى ما عمِيتْ
عنه بصيرتُك قبلا. علّ ضميرَك الميْتَ ينبعث من رماده. فمهما أنكرتُ من قولك وفعلك
لن أنكر أنّك صانعُ «المعجزة التّونسيّة».
لن
أهضمكَ حقَّك إذا ادّعيتُ أنّك لم تسمعْ باستراحة المحارب. لقد
أفنيتَ عمرك في خدمتنا. وقد رأى اللّه أعمالَك، وشهدها رسولُه، واصطلَى المؤمنون
بسعيرِها. فتّشتَ جيوبَنا وأحلامنا. قاضيتَ النّوايا الحسنةَ والمبيّتة. صادرتَ
الأملَ من قلوبنا. وأقفلتَ أبوابه في وجوهنا بمراسيمَ عليّة. ثمّ شرعتَ بالعصا
تسوس مَن عصى مِن رعيّة القطيع. فلا يشتكي الرّاعِي إلاّ من تُخمة، لكنْ يجوع
الذّئبُ، وتهزل القطعانُ.
ما
كنتَ تستفيق من سكرةِ السّلطان حتّى تقعَ في شرَك الغنائم تنهب وتكدِّس وتكنِز
كأنّك تعيش أبدا. ما كنتَ تغفلُ عن غنيمة إلاّ استبدّتْ بك عقدةُ الزّعامة تقطع كلّ
رأس أينعَ أو كاد وتُنشِّف عروقَه قطرة قطرة. فإذا انتفختَ مالا وسلطانا تملّككَ
جنونُ العظمة يُدمّر البقيّةَ الباقية فيك من نَحيزةِ البشر. وحدَه رأسُك المرفوع
في هذي الرّبوعِ كأنّك لا تَهرم لا تَعتلّ لا تموت. وحدكَ الفاتقُ الرّاتق الذي يُفصّل
المصائرَ على المقاس. وحدكَ الموجودُ بالقوّة وبالفعل. كم كنتَ وحدكَ، يا رئيس!
هل
أدركتَ طعمَ الرّعب الذي ألقمتَنا إيّاه؟ هل أرِقتَ كمدا أو قهرا أو رُهابا من ظلمٍ
لا ينقشع وظلامٍ أرخى علينا سدولَه بشتّى الهموم؟ يا مَن أبكيتَ شعبَك دما، أدمِعتْ
عيناك هنا أو هناك؟ يا مَن علقتَ العرشَ حدّ الغِواية هل آمنتَ أنّ مِن الحبّ ما
قتل؟ وبئس شهيدُ الحبّ أنتَ.
لكَم أشفِق عليك من دعواتِ الثّكالى
واليتامى والجياع. لكَم أخشَى على نومك آهاتِ المعذّبين حتّى الموت. إنْ حُوصِر
مرقدُك يوما فلا تجزع. هي أرواحُهم المعتصِمة في الميدان ترفع شعارا أوْحدَ: «اُسقوني دمَ قاتلي». فإن قيل: «اِرحموا عزيزَ قوم ذلّ»، قالت: «ما عزّ أحدٌ في ذلّة قومه».
فهِمناك
بلا حزمٍ على مهَل. فحزمتَ ما تيسّر من حقائبك على عَجل. غالطكَ اللّصوصُ
الأقربون. فأعدْنا إليك رشدَك كاملا لا نقصَ فيه. لويتَ أعناقنا بيدٍ من حديد.
وطفقتَ تعُدّ أنفاسنا متلذّذا باختناقنا الجماعيّ. بحرارة الرّوح انتفضَ الغرقى.
وأعدّوا لك ساعةَ الرّحيل إلى العدم: «قُم، ودّعِ اليومَ الأخير». أريتنا النّجومَ في الهواجر. فأريناك فجرَ
المحارق.
سيدي
الرّئيس الأسبق،
لَكم أرثِي لنا منك، وأرثي لكَ مِن نفسك، وأرثي لرهْطِك
مِن لعنة التّاريخ.
فوزيّة الشّـطّي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق